بسم الله الرحمن الرحيم

تَبْرِئَةُ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
مِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ


قال عبد الله بن المبارك رحمه الله : معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم ، يعني الصحابة . " البداية والنهاية " (8/139)

الحمد لله وبعد ؛

فقد انبرى أهل البدع بالطعن في أحد الصحابة ألا وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، والزور والبهتان الذي رُمي به معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ليس وليد الساعة ، ومع الأسف اغتر بعض أهل السنة بمثل هذه الطعون في معاوية رضي الله عنه ، وأصبحوا يرددونها في المجالس العامة ، والله المستعان .

وفي هذا المقال نريد أن نقف مع المطاعن والشبه التي قيلت في معاوية رضي الله عنه ، ونثبت أنها زورٌ وبهتانٌ لا يصح منها شيء البتة .

والناظر فيما رُمي به معاوية رضي الله عنه يجد أن غالب من تكلم فيه لا يورد مثالب معاوية رضي الله عنه – بزعمهم - بالسند ، بل يذهب إلى كتب التاريخ التي تروي من غير اعتماد على السند في الغالب ، لأنهم لو ذكروها بالسند لظهر كذبهم .

وقد أخذت عنوان البحث وهو " تَبْرِئَةُ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِمَا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ " من كتاب " لا دفاعا عن الألباني فحسب ... بل دفاعاً عن السلفية " ( ص 171 ) للشيخ عمرو عبد المنعم سليم في رده على الضال حسن السقاف - وما أكثر الضلال في الأزمنة المتأخرة لا كثرهم الله – لأنني رأيت أنه عنوان يناسب المقام ، ولا شك أن كتابَ الشيخِ عمرو عبد المنعم أحدُ المراجع التي اعتمدتُ عليها في هذا البحث .

ومع عناصر البحث .

أولاً : فضائلُ معاويةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :

إن فضائل معاوية ثابتةٌ عموماً وخصوصاً .

* فضائلُ معاويةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ على وجهِ العمومِ :
لا شك أن معاوية رضي الله عنه يدخل في عمومِ الآياتِ التي وردت في فضائلِ الصحابةِ ، ولن أطيل في ذكر الآيات الواردة ، فمن ذلك :

1 – قال تعالى : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " [ الفتح : 29 ] .

ولو لم يكن في الصحابة إلا هذه الآية لكفتهم رضي الله عنهم .

2 – وقال تعالى : " لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " [ الحديد : 10 ] .

وغيرُ ذلك من الآياتِ التي وردت في مدحِ الصحابةِ عموماً ومنهم معاويةُ رضي الله عنه ، وليس المقامُ مقامَ حصرٍ .

أما الثناءُ على الصحابةِ ومنهم معاوية رضي الله عنه في السنةِ كثيرٌ جدا فمن ذلك :
1 - ‏عَنْ ‏‏أَبِي بُرْدَةَ ‏، ‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ‏‏قَالَ :‏ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏ثُمَّ قُلْنَا : لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ ، قَالَ : فَجَلَسْنَا ؛ فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ : مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا ؟ قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ، ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ ، قَالَ : أَحْسَنْتُمْ ،‏ ‏أَوْ أَصَبْتُمْ ‏، ‏قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ ‏: ‏النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ .  رواه مسلم (2531) .

2 -
عَنْ ‏‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ‏ : قَالَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ ‏‏أُحُدٍ‏ ‏ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ .  رواه البخاري (3673) ، ومسلم (2540) .

وأكتفي بهذين الحديثين في ذكر فضائل صحابة رسول الله صلى الله عليه ، وإلا لو سردنا ما ورد في فضائلهم لسطرنا في ذلك مجلدات – رضي الله عنهم - .

* فضائلُ معاويةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ على وجهِ الخصوصِ :
جاءت أحاديث في فضائل معاوية ، ولم أكتفِ بذكر فضائله ، بل وجدت أحاديث كثيرة تبين ما لهذا الصحابي الجليل من منزلة عند غيره من الصحابة ، إلى جانب فقهه واجتهاده في بعض المسائل ، ونصحه لرعيته ، وحرصت على ما ورد في الصحيحين لكي لا يطول البحث ، فمن ذلك :

* دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه كان له زكاةً وأجراً ورحمةً :
عَنْ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏‏قَالَ :‏ ‏كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ ، قَالَ : فَجَاءَ ‏‏فَحَطَأَنِي ‏حَطْأَةً وَقَالَ :‏ ‏اذْهَبْ وَادْعُ لِي ‏‏مُعَاوِيَةَ ،‏ ‏قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ ‏‏لِيَ : اذْهَبْ فَادْعُ لِي ‏ ‏مُعَاوِيَةَ ،‏ ‏قَالَ : فَجِئْتُ فَقُلْتُ : هُوَ يَأْكُلُ ، فَقَالَ : لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ . رواه مسلم (2604) ، والطيالسي (2869) .

ولنا مع هذا الحديثِ وقفاتٌ :

الوقفةُ الأولى :
ظن بعضُ المبتدعةِ أن هذا الحديثَ من مثالبِ معاويةَ ، فبئس ما صنعوا ، بل الحديثُ يعتبرُ منقبةً من مناقبِ معاويةَ رضي الله عنه ، فما هو ردُ أهلِ السنةِ على هذه الفريةِ في حقِ معاوية رضي اللهُ عنه ؟

بوب الإمام النووي على الحديث بقوله : من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو دعا عليه ، وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاةً وأجراً ورحمةً .

وقال الإمام النووي في " المنهاج " (16/156) : وَقَدْ فَهِمَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه مِنْ هَذَا الْحَدِيث أَنَّ مُعَاوِيَة لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ , فَلِهَذَا أَدْخَلَهُ فِي هَذَا الْبَاب , وَجَعَلَهُ غَيْره مِنْ مَنَاقِب مُعَاوِيَة لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة يَصِير دُعَاء لَهُ .ا.هـ.

ومما يؤكد هذا الفهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث الأخرى التي تحت الباب المذكور فمن ذلك :

عَنْ ‏عَائِشَةَ ‏‏قَالَتْ :‏ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏رَجُلَانِ ، فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ ؟ فَأَغْضَبَاهُ ، فَلَعَنَهُمَا ، وَسَبَّهُمَا فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ ، قَالَ : وَمَا ذَاكِ ؟ قَالَتْ : قُلْتُ : لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا ، قَالَ :‏ ‏أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي ؟ قُلْتُ :‏ ‏اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا . رواه مسلم (2600) .

‏وَفِي رِوَايَة : " أَوْ جَلَدْته فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاة وَرَحْمَة " .

وَفِي رِوَايَة : " فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْته شَتَمْته لَعَنْته جَلَدْته اِجْعَلْهَا لَهُ صَلَاة وَزَكَاة وَقُرْبَة تُقَرِّبهُ بِهَا إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة " . وَفِي رِوَايَة : " إِنَّمَا مُحَمَّد بَشَر يَغْضَب كَمَا يَغْضَب الْبَشَر , وَإِنِّي قَدْ اِتَّخَذْت عِنْدك عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ ، فَأَيّمَا مُؤْمِن آذَيْته أَوْ سَبَبْته أَوْ جَلَدْته فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَة وَقُرْبَة " .

وَفِي رِوَايَة : " إِنِّي اِشْتَرَطْت عَلَى رَبِّي فَقُلْت : إِنَّمَا أَنَا بَشَر أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَر , وَأَغْضَب كَمَا يَغْضَب الْبَشَر , فَأَيّمَا أَحَد دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاة وَقُرْبَة " .

قال النووي عن هذه الروايات : وَهَذِهِ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة آخِرًا – يقصد : إِنِّي اِشْتَرَطْت عَلَى رَبِّي - تُبَيِّن الْمُرَاد بِبَاقِي الرِّوَايَات الْمُطْلَقَة , وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُون دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَة وَكَفَّارَة وَزَكَاة وَنَحْو ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَالسَّبّ وَاللَّعْن وَنَحْوه , وَكَانَ مُسْلِمًا , وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَة .

فَإِنْ قِيلَ : كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ ؟

فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء , وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ :
أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى , وَفِي بَاطِن الْأَمْر , وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ , فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة ، وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ , وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ , وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر .

وَالثَّانِي أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ , بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة , كَقَوْلِهِ : تَرِبَتْ يَمِينك , عَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث ( لَا كَبِرَتْ سِنّك ) وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة ( لَا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنك ) وَنَحْو ذَلِكَ لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء , فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة , فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة , وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا , وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان , وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ , وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : اُدْعُ عَلَى دَوْس , فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا " وَقَالَ : " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " وَاَللَّه أَعْلَم .ا.هـ.

وقال الإمام الذهبي في " السير " (14/130) : لَعَلَّ أَنْ يُقَالْ هَذِهِ مَنْقَبَةٌ لِمُعَاوِيَةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ مَنْ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجعَلْ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً " .ا.هـ.

وقال مثله أيضا في " تذكرة الحفاظ " (2/699) .

وقال ابن كثير في " البداية والنهاية " عند ترجمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه : وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه .

أما في دنياه : فإنه لما صار إلى الشام أميراً، كان يأكل في اليوم سبع مرات يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها ، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم ، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً ، ويقول : والله ما أشبع وإنما أعيا، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك .

وأما في الآخرة : فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة .أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلاً فاجعل ذلك كفارةً وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة " .

فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ، ولم يورد له غير ذلك .ا.هـ.

الوقفةُ الثانيةُ :
قد ينكرُ بعضُ الناسِ الأحاديث التي ذكرناها في بشرية الرسول ، وأن هذا الأمر لا يتصور في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وينزه النبي صلى الله عليه وسلم عن النطق بمثله .

يجيب العلامة الألباني – رحمه الله – عن مثل هذه الشبهة في " الصحيحة " (1/123 – 124) فيقول : واعلم أن قوله : " إِنَّمَا أَنَا بَشَر أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَر ... " إنما هو تفصيل لقول الله – تبارك وتعالى – : " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ... الآية " [ الكهف : 110 ] .

وقد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء إلى إنكار مِثل هذا الحديث ؛ بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ، وتنزيهه عن النطق به ! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار ؛ فإن الحديث صحيح ، بل هو عندنا متواتر ؛ فقد رواه مسلم من حديث عائشة وأم سلمة كما ذكرنا ، ومِن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما ، وورد من حديث سلمان وأنس وسمرة وأبي الطفيل وأبي سعيد وغيرهم . انظر " كنز العمال " (2/124) .

وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعاً ، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا ، وبذلك يجتمع الإيمان به صلى الله عليه وسلم عبدا ورسولا ؛ دون إفراط ولا تفريط ، فهو صلى الله عليه وسلم بشر بشهادة الكتاب والسنة ، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث الصحيحة ، وكما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته ، وما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة والخصال الحميدة التي لم تكتمل لبشر اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم ، وصدق الله العظيم إذ خاطبه بقوله : " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " [ القلم : 4 ] .ا.هـ.

الوقفةُ الثالثةُ :
جاء في رواية الطيالسي تأويلٌ لحديثِ " : لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ " عن بعضِ السلفِ ما نصهُ :

قال عبد الله بنُ جعفرِ بنِ فارسٍ – الراوي عن يُونُس بنِ حبيب - : معناه والله أعلم : لا أشبع الله بطنه في الدنيا حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة ، لأن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أَطولُ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنيا أَطْوَلهمْ جُوعًا يَوْم الْقِيَامَة ".ا.هـ.

وقد رد الحافظ الذهبي هذا التأويل في " السير " (3/123) فقال : قُلْتُ : هَذَا مَا صَحَّ ، وَالتَّأْوِيْلُ رَكِيْكٌ ، وَأَشْبَهُ مِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : " اللَّهُمَّ مَنْ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ مِنَ الأُمَّةِ، فَاجْعَلْهَا لَهُ رَحْمَةً " ، أَوْ كَمَا قَالَ . وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مَعْدُوْداً مِنَ الأُكَلَةِ .ا.هـ.

تَـنْـبِـيـهٌ :
حديث : " أَطولُ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنيا أَطْوَلهمْ جُوعًا يَوْم الْقِيَامَة " لا يثبت عن النبي صلى الله ، وهو حديث معلول بجميع طرقه ، وممن أعله الإمام أحمد كما في " المنتخب من العلل للخلال " ( ص 47 – 50 ) لابن قدامة المقدسي وتحقيق طارق عوض الله ، وابن أبي حاتم في " العلل " (1861) عن أبيه فقال : حديث باطل .

الوقفةُ الرابعةُ :
طار بعض المبتدعة بقصة حدثت للإمام النسائي صاحب السنن ورد فيها ذكر الحديث الذي نحن بصدده " : لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ " ، وظنوا أنهم وجدوا شيئا لكي يردوا به على أهل السنة ، ويجوزوا لأنفسهم – زعموا – أن يقدحوا فيه رضي الله عنه .

فما هي هذه القصة ؟ وما الرد عليها ؟
ذكر القصة الإمام المزي في " تهذيب الكمال " (1/338) ، والإمام الذهبي في " السير " (13/130) ونصها : وَقَالَ الوَزِيْرُ ابْنُ حِنْزَابَةُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مُوْسَى المأَمونِيَّ - صَاحِبُ النَّسَائِيّ – قَالَ : سَمِعْتُ قَوْماً يُنْكِرُوْنَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ كِتَاب " الخَصَائِص " لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَتَرْكَهُ تَصْنِيْفَ فَضَائِلَ الشَّيْخَيْنِ ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : دَخَلتُ دِمَشْقَ وَالمُنْحَرِفُ بِهَا عَنْ عَلِيٍّ كَثِيْر، فَصَنَّفْتُ كِتَابَ " الخَصَائِصِ " رَجَوْتُ أَنْ يَهْدِيَهُمُ الله تَعَالَى . ثُمَّ إِنَّهُ صَنَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ ، فَقِيْلَ لَهُ : وَأَنَا أَسْمَعُ أَلاَ تُخْرِجُ فَضَائِلَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ؟ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أُخْرِجُ ؟ حَدِيْثَ : " اللَّهُمَّ لاَ تُشْبِعْ بَطْنَهُ " فَسَكَتَ السَّائِلُ .ا.هـ.

وقد رد جاسم بن محمد بن حمود الفجْي محقق كتاب " القول المعتبر في ختم النسائي رواية ابن الأحمر للسخاوي " ( ص 20 – 28 ) على هذه المسألة في تسع نقاط ، ألخصها في أربع نقاطٍ بما يلي :
أولاً : أن النسائي بين سبب تأليف كتابه " الخصائص " بنفسه فقال : " دَخَلتُ دِمَشْقَ وَالمُنْحَرِفُ بِهَا عَنْ عَلِيٍّ كَثِيْر، فَصَنَّفْتُ كِتَابَ " الخَصَائِصِ " رَجَوْتُ أَنْ يَهْدِيَهُمُ الله تَعَالَى " .

إذاً فالنسائي لما رأى هذا الاعوجاج في الأمة المحمدية – وهو تفضيل معاوية على علي – أراد أن ينصح لهذه الأمة ويُقَوِّمَ هذا الانحراف الواقع فيها ، فكان رحمه الله من الناصحين والمجاهدين في نصرة الحق ودفع الباطل .

ثانياً : نقل الحافظ المزي في " تهذيب الكمال " (1/339) عن الحافظ أبي القاسم بن عساكر ما نصه : وهذه الحكاية لا تَدُلُ على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان ، وإنما تدل على الكف في ذكره بكل حال . ثم روى بإسناده عن أبي الحسن علي بن محمد القابسي قال : " سمعت أبا علي الحسن بن أبي هلال يقول : سُئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنما الإسلام كدار لها باب ، فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام ، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار ، قال : فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة .ا.هـ.

ثالثاً : أن قول النسائي لما سُئل أن يخرج فضائل معاوية فقال : أَيُّ شَيْءٍ أُخْرِجُ ؟ حَدِيْثَ : " اللَّهُمَّ لاَ تُشْبِعْ بَطْنَهُ " ؟ أنه كان يحكي واقع حاله وأنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في معاوية إلا هذا الحديث ، وهذا فيه دليل على فقه الإمام النسائي رحمه الله فإنه فهم من هذا الحديث أنه فضيلة لمعاوية للحديث الآخر الذي فيه : " ‏اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا " . ولكن لما كان ظاهر الحديث فيه تنقص لمعاوية لم يحدث به خشية أن يظن بعض السفهاء ومن لا علم عندهم كما هو حاصل من بعض الكتاب في هذا المنتدى وغيره من منتديات الحوار على الشبكة أنه ينتقص معاوية رضي الله عنه في نشر مثل هذا الحديث ولذلك : " سَكَتَ وَسَكَتَ السَّائِلُ " كما تقدم ، وهذا يدل على أنه ما أراد تنقص معاوية أبداً ، وإنما يذكر حاله . إلى جانب أنه أخبر بما يحفظ هو من أحاديث فلم يصح عنده في معاوية رضي الله عنه بخصوصه إلا حديث : " اللَّهُمَّ لاَ تُشْبِعْ بَطْنَهُ " .

قال الإمام ابن القيم في " المنار المنيف " ( ص 116 ) : ومن ذلك ما وضعه بعض جهلة أهل السنة في فضائل معاوية بن أبي سفيان ... وكل حديث في ذمه ، فهو كذب .ا.هـ.

رابعاً : قال السخاوي : " وأما ما وُجد بخط السِّلفي مما حكاه ابن العديم في " تاريخ حلب " بسنده إلى أبي منصور تكين الأمير قال : قرأ عليَّ النسائي كتاب " الخصائص " . فقلت له : حَدثني بفضائل معاوية فجاءني بعد جمعة بورقة فيها حديثان فقلت : أهذه فقط ؟ فقال : مع أنها ليست صحيحة هذه غرم معاوية عليها الدراهم . فقلت له : أنت شيخ سوء لا تُجاورني فقال : ولا لي في جوارك حظٌ وخرج .انتهى فهو شيءٌ لا يصح .ا.هـ.

وبعد هذا البيان يتبين أن من دندن حول هذه القصة ، وظن أنه حصل على كنز ثمين – بزعمه – فأقول له : اتق الله ، وسيكون هذا الصحابي الجليل خصيمك يوم القيامة بما تنسبه إليه لكي تصل إلى القدح فيه .

والإمام النسائي نسبت إليه أمور تحتاج إلى إفراد موضوع خاص به رحمه الله .

مِن فقهِ واجتهادِ معاويةَ رضي الله عنه :
1 - عَنْ ‏‏ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ‏‏قَالَ :‏ ‏أَوْتَرَ ‏مُعَاوِيَةُ ‏‏بَعْدَ الْعِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وَعِنْدَهُ ‏‏مَوْلًى ‏‏لِابْنِ عَبَّاسٍ ،‏ ‏فَأَتَى ‏ابْنَ عَبَّاسٍ ‏‏فَقَالَ ‏ : ‏دَعْهُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه البخاري (3764) .

2 - وَعَنْ ‏ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ‏‏قِيلَ ‏‏لِابْنِ عَبَّاسٍ :‏ هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ‏‏مُعَاوِيَةَ ؟‏ ‏فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ ، قَالَ : أَصَابَ ، إِنَّهُ فَقِيهٌ . رواه البخاري (3765) .

3 - وَعَنْ ‏‏مُعَاوِيَةَ ‏‏قَالَ :‏ إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا ، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا .‏ ‏يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ . رواه البخاري (3766) ، وأحمد (4/99 ، 100) .
وبوب عليها البخاري بقوله : باب ذكر معاوية رضي الله عنه .

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (7/131) : ‏عَبَّرَ الْبُخَارِيّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَة بِقَوْلِهِ " ذِكْر " وَلَمْ يَقُلْ فَضِيلَة وَلَا مَنْقَبَة لِكَوْنِ الْفَضِيلَة لَا تُؤْخَذ مِنْ حَدِيث الْبَاب ، لِأَنَّ ظَاهِر شَهَادَة اِبْن عَبَّاس لَهُ بِالْفِقْهِ وَالصُّحْبَة دَالَّة عَلَى الْفَضْل الْكَثِير , وَقَدْ صَنَّفَ اِبْن أَبِي عَاصِم جُزْءًا فِي مَنَاقِبه , وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَر غُلَام ثَعْلَب , وَأَبُو بَكْر النَّقَّاش وَأَوْرَدَ اِبْن الْجَوْزِيّ فِي " الْمَوْضُوعَات " بَعْض الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرُوهَا ثُمَّ سَاقَ عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَصِحّ فِي فَضَائِل مُعَاوِيَة شَيْء , فَهَذِهِ النُّكْتَة فِي عُدُول الْبُخَارِيّ عَنْ التَّصْرِيح بِلَفْظِ مَنْقَبَة اِعْتِمَادًا عَلَى قَوْل شَيْخه , لَكِنْ بِدَقِيقِ نَظَره اِسْتَنْبَطَ مَا يَدْفَع بِهِ رُءُوس الرَّوَافِض , وَقِصَّة النَّسَائِيِّ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَة , وَكَأَنَّهُ اِعْتَمَدَ أَيْضًا عَلَى قَوْل شَيْخه إِسْحَاق , وَكَذَلِكَ فِي قِصَّة الْحَاكِم .ا.هـ.

وسنأتي على عبارة إسحاق بن راهويه من جهة ثبوتها أو عدم ثبوتها عنه .

4 - ‏عَنْ ‏‏أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ‏‏قَالَ : سَمِعْتُ ‏مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ‏وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ :‏ ‏اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، قَالَ ‏‏مُعَاوِيَةُ ‏: ‏اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ ‏‏مُعَاوِيَةُ :‏ ‏وَأَنَا ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ ‏‏مُحَمَّدًا ‏‏رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ ‏مُعَاوِيَةُ :‏ ‏وَأَنَا ؛ فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ؛ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي . رواه البخاري (914) .

5 - ‏عَنْ ‏‏أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ ‏: كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏صَاعًا ‏‏مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ ‏صَاعًا ‏مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ ‏‏صَاعًا ‏‏مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ ‏‏صَاعًا ‏‏مِنْ زَبِيبٍ ، فَلَمَّا جَاءَ ‏‏مُعَاوِيَةُ ،‏ ‏وَجَاءَتْ ‏ ‏السَّمْرَاءُ ‏قَالَ : أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا ‏ ‏يَعْدِلُ ‏‏مُدَّيْنِ . رواه البخاري (1508) .

قَالَ النَّوَوِيُّ : تَمَسَّكَ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ مَنْ قَالَ بِالْمُدَّيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ , وَفِيهِ نَظَرٌ , لِأَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ وَأَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .ا.هـ.

وهذا اجتهادٌ من الصحابي معاوية رضي الله عنه .

6 - ‏عَنْ ‏‏أَبِي الطُّفَيْلِ ‏قَالَ ‏: كُنْتُ مَعَ ‏ابْنِ عَبَّاسٍ ،‏ ‏وَمُعَاوِيَةُ ‏‏لَا يَمُرُّ بِرُكْنٍ إِلَّا ‏‏اسْتَلَمَهُ ،‏ ‏فَقَالَ لَهُ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ ‏: ‏إِنَّ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏لَمْ يَكُنْ ‏‏يَسْتَلِمُ ‏‏إِلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ ، وَالرُّكْنَ ‏ ‏الْيَمَانِيَ . رواه البخاري تعليقا (1608) ، ومسلم (1269) من غير القصة ، والترمذي (858) .

‏زَادَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ : فَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : صَدَقْت .

7 - ‏عَنْ ‏‏الزُّهْرِيِّ ‏‏قَالَ : كَانَ ‏‏مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ‏‏يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ ‏‏مُعَاوِيَةَ -‏ ‏وَهُوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ ‏قُرَيْشٍ - أَنَّ ‏ ‏عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ‏يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ ‏ ‏قَحْطَانَ ،‏ ‏فَغَضِبَ‏ ‏مُعَاوِيَةُ ،‏ ‏فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ ، فَإِيَّاكُمْ وَالْأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَقُولُ :‏ ‏إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي‏ ‏قُرَيْشٍ ،‏ ‏لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ . رواه البخاري (3500) .

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (13/124) : ‏فِي هَذَا الْكَلَام أَنَّ مُعَاوِيَة كَانَ يُرَاعِي خَاطِر عَمْرو بْن الْعَاصِ ، فَمَا آثَرَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى تَسْمِيَة وَلَده بَلْ نَسَبَ ذَلِكَ إِلَى رِجَال بِطَرِيقِ الْإِبْهَام , وَمُرَاده بِذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّحْدِيث بِمَا يُضَاهِي ذَلِكَ , وَقَوْله " لَيْسَتْ فِي كِتَاب اللَّه " أَيْ الْقُرْآن , وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ تَنْصِيص عَلَى أَنَّ شَخْصًا بِعَيْنِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ يَتَوَلَّى الْمُلْك فِي هَذِهِ الْأُمَّة الْمُحَمَّدِيَّة .ا.هـ.

موقفُ معاويةَ رضي الله مِن أحاديثِ بني إسرائيل :
عَنْ الزُّهْرِيِّ : أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَقَالَ : إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ . رواه البخاري (7361) .

قال الحافظ في " الفتح " (13/346) : وقال ابن حبان في " كتاب الثقات " : أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به ولم يرد أنه كان كذابا . وقال غيره : الضمير في قوله " لنبلو عليه " للكتاب لا لكعب ، وإنما يقع في كتابهم الكذب لكونهم بدلوه وحرفوه . وقال عياض : يصح عوده على الكتاب ، ويصح عوده على كعب وعلى حديثه ، وإن لم يقصد الكذب ويتعمده إذ لا يشترط في مسمى الكذب التعمد بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب . وقال ابن الجوزي : المعنى أن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبا لا أنه يتعمد الكذب ، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار .ا.هـ.

ابنُ عباسٍ يثني على معاويةَ رضي الله عنه :
عَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ : مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَخْلَقَ لِلمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ ، كَانَ النَّاسُ يَرِدُوْنَ مِنْهُ عَلَى أَرْجَاءِ وَادٍ رَحْبٍ ، لَمْ يَكُنْ بِالضَّيِّقِ ، الحَصِرِ ، العُصْعُصِ ، المُتَغَضِّبِ . رواه عبد الرزاق في " المصنف " (20985) . إسناده صحيح .

أولُ من ركبَ البحرَ معاويةُ رضي اللهُ عنه :
1- عَنْ ‏‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏، ‏عَنْ ‏خَالَتِهِ ‏‏أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ ‏‏قَالَتْ :‏ نَامَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ فَقُلْتُ : مَا أَضْحَكَكَ ؟ قَالَ :‏ ‏أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ ، كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ، قَالَتْ : فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، فَدَعَا لَهَا ، ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا ، فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا ، فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا ، فَقَالَتْ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، فَقَالَ : أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ ؛ فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا ‏ ‏عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ‏‏غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ ‏ ‏مُعَاوِيَةَ ،‏ ‏فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا ‏ ‏الشَّأْمَ ،‏ ‏فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا ،‏ ‏فَصَرَعَتْهَا ،‏ ‏فَمَاتَتْ . رواه البخاري (2799) ، ومسلم (1912) .

ونقل الإمام النووي في " المنهاج " عن القاضي عياض ما نصه : قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَكْثَر أَهْل السِّيَر وَالْأَخْبَار : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَة عُثْمَان بْن عَفَّان - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَأَنَّ فِيهَا رَكِبَتْ أُمّ حَرَام وَزَوْجهَا إِلَى قُبْرُص فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتهَا هُنَاكَ , فَتُوُفِّيَتْ وَدُفِنَتْ هُنَاكَ , وَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله : ( فِي زَمَان مُعَاوِيَة ) مَعْنَاهُ : فِي زَمَان غَزْوِهِ فِي الْبَحْر لَا فِي أَيَّام خِلَافَته , قَالَ : وَقِيلَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَته , قَالَ : وَهُوَ أَظْهَر فِي دَلَالَة قَوْله فِي زَمَانه .ا.هـ.

2 - ‏عَنْ ‏‏خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ‏أَنَّ ‏عُمَيْرَ بْنَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ ‏حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى ‏عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ،‏ ‏وَهُوَ نَازِلٌ فِي سَاحَةِ ‏ ‏حِمْصَ ،‏ ‏وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ ،‏ ‏أُمُّ حَرَامٍ ،‏ ‏قَالَ ‏عُمَيْرٌ :‏ ‏فَحَدَّثَتْنَا ‏‏أُمُّ حَرَامٍ ‏‏أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَقُولُ :‏ ‏أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ ‏‏أَوْجَبُوا ،‏ ‏قَالَتْ ‏‏أُمُّ حَرَامٍ :‏ ‏قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ ، قَالَ أَنْتِ فِيهِمْ ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :‏ ‏أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ ‏‏قَيْصَرَ ‏‏مَغْفُورٌ لَهُمْ ، فَقُلْتُ : أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : لَا . رواه البخاري (2924) .

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (6/120) : قَالَ الْمُهَلَّب : فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيد لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ .ا.هـ.

مِن حِكمِ معاوية رضي الله عنه :
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ : لَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ .
رواه البخاري تعليقا ، كِتَاب الْأَدَبِ ، باب لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ .

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (10/546) : وهذا الأثر وصله أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال : " قال معاوية : لا حلم إلا بالتجارب " وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال : " كنت جالسا عند معاوية فحدث نفسه ثم انتبه فقال: لا حليم إلا ذو تجربة . قالها ثلاثا " ، وأخرج من حديث أبي سعيد مرفوعا " لا حليم إلا ذو عثرة ، ولا حكيم إلا ذو تجربة " ، وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان ، قال ابن الأثير: معناه : لا يحصل الحلم حتى يرتكب الأمور ويعثر فيها فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها. وقال غيره : المعني لا يكون حليما كاملا إلا من وقع في زلة وحصل منه خطأ فحينئذ يخجل ، فينبغي لمن كان كذلك أن يستر من رآه على عيب فبعفو عنه ، وكذلك من جرب الأمور علم نفعها وضررها فلا يفعل شيئا إلا عن حكمة .

قال الطيبي : ويمكن أن يكون تخصيص الحليم بذي التجربة للإشارة إلى أن غير الحكيم بخلافه، وأن الحليم الذي ليس له تجربة قد يعثر في مواضع لا ينبغي له فيها الحلم بخلاف الحليم المجرب ، وبهذا تظهر مناسبة أثر معاوية لحديث الباب، والله تعالى أعلم .ا.هـ.

نُصحُ معاويةَ لرعيتهِ :
1 - عَنْ ‏‏حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ :‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏‏مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ‏عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ ،‏ فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ ، وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ فَقَالَ : يَا ‏‏أَهْلَ الْمَدِينَةِ ؛‏ ‏أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ :‏ ‏إِنَّمَا هَلَكَتْ ‏‏بَنُو إِسْرَائِيلَ ‏حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ . رواه البخاري (3468) ، ومسلم (2127) .

2 - ‏عَنْ ‏‏حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏: ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا‏ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : يَا ‏‏أَهْلَ الْمَدِينَةِ ؛‏ ‏أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَقُولُ :‏ ‏هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ، وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ . رواه البخاري (2003) ، ومسلم (1129) .

مكاتبةُ معاوية رضي الله عنه وتعليمهُ للعلم الشرعي :
1 - عَنْ ‏‏ابْنِ شِهَابٍ ‏‏أَخْبَرَنِي ‏‏حُمَيْدٌ ‏‏قَالَ سَمِعْتُ‏ ‏مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ‏‏يَخْطُبُ قَالَ :‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏ ‏يَقُولُ :‏‏ مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا ‏يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ ، وَيُعْطِي اللَّهُ ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، أَوْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ . رواه البخاري (71) ، ومسلم (1037) .

2 - ‏عَنْ ‏‏وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ ‏قَالَ : كَتَبَ ‏‏مُعَاوِيَةُ ‏‏إِلَى‏ ‏الْمُغِيرَةِ ‏: اكْتُبْ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛‏ ‏فَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ :‏ ‏لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ . رواه البخاري (7292) .

معاويةُ رضي الله عنه يحلِقُ شعرَ النبي صلى الله عليه وسلم :
عَنْ ‏‏طَاوُسٍ ‏‏قَالَ : قَالَ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ :‏ ‏قَالَ لِي ‏مُعَاوِيَةُ : ‏أَعَلِمْتَ أَنِّي ‏‏قَصَّرْتُ ‏‏مِنْ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏عِنْدَ ‏‏الْمَرْوَةِ ‏ ‏بِمِشْقَصٍ ‏، ‏فَقُلْتُ : لَهُ لَا أَعْلَمُ هَذَا إِلَّا حُجَّةً عَلَيْكَ . رواه البخاري (1370) ، ومسلم (1246) واللفظ له .

أحاديث باطلة في حق معاوية رضي الله عنه :
بعد أن ذكرنا ما صح من الأحاديث في حق معاوية رضي الله عنه وهو المنهج الوسط بين الجافي والغالي وهو مذهب أهل السنة والجماعة ، نأتي على الطرف الآخر فقد رُويت أحاديث باطلة تظهر الغلو في حب معاوية ، وهذه الأحاديث تمثل الطرف الذي غلا في حبه ، ولهذا يقول الإمام الذهبي كلماتٍ جميلة في " السير " (3/128) يقرر فيها ما يصنعه شدة الحب للشخص ، وخاصة من ولد وتربى في مجتمع على حب شخصٍ حباً يصل إلى الغلو فيه فقال : وَخَلَفَ مُعَاوِيَةَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ يُحِبُّوْنَهُ وَيَتَغَالُوْنَ فِيْهِ ، وَيُفَضِّلُوْنَهُ ، إِمَّا قَدْ مَلَكَهُم بِالكَرَمِ وَالحِلْمِ وَالعَطَاءِ ، وَإِمَّا قَدْ وُلِدُوا فِي الشَّامِ عَلَى حُبِّهِ ، وَتَرَبَّى أَوْلاَدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ .ا.هـ.

ثم يقول بعد ذلك كلاما جميلا : فَبِاللهِ كَيْفَ يَكُوْنُ حَالُ مَنْ نَشَأَ فِي إِقْلِيْمٍ ، لاَ يَكَادُ يُشَاهِدُ فِيْهِ إِلاَّ غَالِياً فِي الحُبِّ ، مُفْرِطاً فِي البُغْضِ ، وَمِنْ أَيْنَ يَقَعُ لَهُ الإِنْصَافُ وَالاعْتِدَالُ ؟ فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى العَافِيَةِ الَّذِي أَوْجَدَنَا فِي زَمَانٍ قَدِ انْمَحَصَ فِيْهِ الحَقُّ ، وَاتَّضَحَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ ، وَعَرَفْنَا مَآخِذَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ ، وَتَبَصَّرْنَا ، فَعَذَرْنَا ، وَاسْتَغْفَرْنَا ، وَأَحْبَبْنَا بِاقْتِصَادٍ ، وَتَرَحَّمْنَا عَلَى البُغَاةِ بِتَأْوِيْلٍ سَائِغٍ فِي الجُمْلَةِ ، أَوْ بِخَطَأٍ - إِنْ شَاءَ اللهُ – مَغْفُوْرٍ ، وَقُلْنَا كَمَا عَلَّمَنَا اللهُ : " رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُوْنَا بِالإِيْمَانِ . وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنَا غِلاًّ لِلَّذِيْنَ آمَنُوا " [ الحَشْرُ : 10 ] .ا.هـ.

وبسبب هذا الغلو في حب معاوية رضي الله عنه رويت أحاديث باطلة في حقه .

ومن أوسع من ذكر هذه الأحاديث ابن عساكر في " تاريخه " (16/345 – 350) ، ولذا تعقبه العلماء لأنه لم يبين حالها ، ولم ينتقدها على جلالة قدره وعلو منزلته رحمه الله .

قال الإمام الذهبي في " السير " (3/127) : وَقَدْ سَاقَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ أَحَادِيْثَ وَاهِيَةً وَبَاطِلَةً ، طَوَّلَ بِهَا جِدّاً .ا.هـ.

وقال ابن كثير في " البداية والنهاية " (8/120) عند ترجمة معاوية رضي الله عنه : وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة ، والعجب منه مع حفظه واطلاعه كيف لا ينبِّهُ عليها ، وعلى نكارتها ، وضعف حالها .ا.هـ.

وقد ساق الإمام الذهبي في " السير " (3/128 – 136) ، وابن كثير في " البداية والنهاية " (8/120) ، والشوكاني في " الفوائد المجموعة " ( ص 348 – 352) جملة منها .

نذكر ما أورده الإمام الذهبي في " السير " (3/128) على سبيل المثال لا الحصر ، مع تعليق الشوكاني عليها . قال الذهبي :

فَمِنَ الأَبَاطِيْلِ المُخْتلَقَةِ :

1 - عَنْ وَاثِلَةَ ، مَرْفُوْعاً : " كَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيّاً مِنْ حِلْمِهِ وَائْتِمَانِهِ عَلَى كَلاَمِ رَبِّي " .

2 - وَعَنْ عُثْمَانَ ، مَرْفُوعاً : " هَنِيْئاً لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ ، لَقَدْ أَصْبَحْتَ أَمِيْناً عَلَى خَبَرِ السَّمَاءِ " .

3 - عَنْ أَبِي مُوْسَى : نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ ، طَلَبَ مُعَاوِيَةَ ، فَلَمَّا كَتَبَهَا – يَعْنِي : آيَةَ الكُرْسِيِّ - قَالَ : " غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ مَا تَقَدَّمَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " .

4 - عَنْ مُرِّيٍّ الحَوْرَانِيِّ ، عَنْ رَجُلٍ : نَزَلَ جِبْرِيْلُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، لَيْسَ لَكَ أَنْ تَعْزِلَ مَنِ اخْتَارَهُ اللهُ لِكِتَابَةِ وَحْيِهِ ، فَأَقِرَّهُ ، إِنَّهُ أَمِيْنٌ .

5 - عَنْ سَعْدٍ ، مَرْفُوعاً : " يُحْشَرُ مُعَاوِيَةُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ مِنْ نُوْرٍ " .

6 - عَنْ أَنَسٍ : هَبَطَ جِبْرِيْلُ بِقَلَمٍ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ العَلِيَّ الأَعْلَى يَقُوْلُ : " قَدْ أَهْدَيْتُ القَلَمَ مِنْ فَوْقِ عَرْشِي إِلَى مُعَاوِيَةَ ، فَمُرْهُ أَنْ يَكْتُبَ آيَةَ الكُرْسِيِّ بِهِ ، وَيُشْكِلَهُ ، وَيُعْجِمَهُ...، فَذَكَر خَبَراًطَوِيْلاً.

قال الشوكاني في " الفوائد المجموعة " (1191) : هو موضوع ، وأكثر رجاله مجاهيل ، وقد رواه ابن عساكر من وجه آخر ، قال في الميزان : الخبر باطل ، ورواه النقاش من وجه آخر ، وفي إسناده وضاع .ا.هـ.

7 - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَةُ الكُرْسِيِّ ، دَعَا مُعَاوِيَةَ ، فَلَمْ يَجِدْ قَلَماً ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَمَرَ جِبْرِيْلَ أَنْ يَأْخُذَ الأَقْلاَمَ مِنْ دَوَاتِهِ ، فَقَامَ لِيَجِيْءَ بِقَلَمٍ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: " خُذِ القَلَمَ مِنْ أُذُنِكَ " . فَإِذَا قَلَمُ ذَهَبٍ ، مَكْتُوْبٌ عَلَيْهِ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ، هَدِيَّةٌ مِنَ اللهِ إِلَى أَمِيْنِهِ مُعَاوِيَةَ .

8 - وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعا ً: كَأَنِّيْ أَنْظُرُ إِلَى سُوَيْقَتَيْ مُعَاوِيَةَ تَرْفُلاَنِ فِي الجَنَّةِ .

9 - عَنْ عَلِيٍّ ، قَالَ : لأُخْرِجَنَّ مَا فِي عُنُقِي لِمُعَاوِيَةَ ، قَدِ اسْتَكْتَبَهُ نَبِيُّ اللهِ وَأَنَا جَالِسٌ ، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ مِنَ اللهِ .

10 - عَنْ جَابِرٍ ، مَرْفُوعاً : " الأُمَنَاءُ عِنْدَ اللهِ سَبْعَةٌ : القَلَمُ ، وَجِبْرِيْلُ ، وَأَنَا، وَمُعَاوِيَةُ ، وَاللَّوْحُ ، وَإِسْرَافِيْلُ ، وَمِيْكَائِيْلُ " .

11 - عَنْ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ : دَخَلَ النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى أُمِّ حَبِيْبَةَ ، وَمُعَاوِيَةُ نَائِمٌ عَلَى فَخِذِهَا . فَقَالَ : " أَتُحِبِّيْنَهُ ؟ " . قَالَتْ : نَعَم .قَالَ : " لَلَّهُ أَشَدُّ حُبّاً لَهُ مِنْكِ لَهُ، كَأَنِّيْ أَرَاهُ عَلَى رَفَارِفِ الجَنَّةِ " .

12 - عَنْ جَعْفَرٍ : أَنَّهُ أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرْجَلٌ ، فَأَعْطَى مُعَاوِيَةَ مِنْهُ ثَلاَثاً ، وَقَالَ : " الْقَنِي بِهِنَّ فِي الجَنَّةِ " .
قُلْتُ ( الذهبي ) : وَجَعْفَرٌ قَدِ اسْتُشْهِدَ قَبْلَ قُدُوْمِ مُعَاوِيَةَ مُسْلِماً .

قال الشوكاني في " الفوائد المجموعة " (1196) : قال ابن حبان : موضوع . وقال الخطيب : الحديث غير ثابت ، وجعفر قتل في مؤتة ، ومعاوية : إنما أسلم عام الفتح ، فلعن الله الكذابين .ا.هـ.

13 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ ، مَرْفُوعاً : " يُبْعَثُ مُعَاوِيَةُ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ نُوْرِ الإِيْمَانِ " .
قال الشوكاني في " الفوائد المجموعة " (1197) : رواه ابن حبان عن حذيفة مرفوعا ، وقال : موضوع ، وفي إسناده جعفر بن محمد الأنطاكي ، يروي الموضوعات .ا.هـ.

14 - عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ ، مَرْفُوعاً : " يَخْرُجُ مُعَاوِيَةُ مِنْ قَبْرِهِ عَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ سُنْدُسٍ مُرَصَّعٌ بِالدُّرِّ وَاليَاقُوْتِ" .

15 - عَنْ عَلِيٍّ : " أَنَّ جِبْرِيْلَ نَزَلَ ، فَقَالَ : اسْتَكْتِبْ مُعَاوِيَةَ ، فَإِنَّهُ أَمِيْنٌ " .

16 - عَنْ أَبُي هُرَيْرَةَ ، مَرْفُوعا ً: " الأُمَنَاءُ ثَلاَثَةٌ : أَنَا ، وَجِبْرِيْلُ، وَمُعَاوِيَةُ " .
وَعَنْ وَاثِلَةَ : بِنَحْوِهِ .

17 - عَنْ أَبُي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوَلَ مُعَاوِيَةَ سَهْما ً، وَقَالَ : " خُذْهُ حَتَّى تُوَافِيَنِي بِهِ فِي الجَنَّةِ " .

قال الشوكاني في " الفوائد المجموعة " (1195) : رواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعا ، وابن حبان عن جابر مرفوعا ، وهو موضوع ، وفي إسناده من ليس بشيء . وقد روي عن أنس وابن عمر مرفوعا .ا.هـ.

18 - عَنْ أَنَسٌ ، مَرْفُوعاً : " لاَ أَفْتَقِدُ أَحَداً غَيْرَ مُعَاوِيَةَ ، لاَ أَرَاهُ سَبْعِيْنَ عَاما ً؛ فَإِذَا كَانَ بَعْدُ أَقْبَلَ عَلَى نَاقَةٍ مِنَ المِسْكِ ، فَأَقُوْلُ : أَيْنَ كُنْتَ ؟ فَيَقُوْلُ : فِي رَوْضَةٍ تَحْتَ العَرْشِ... الحَدِيْثَ .

قال الشوكاني في " الفوائد " (1198) : رواه ابن عدي عن أنس مرفوعا ، وقال : موضوع . وقال الخطيب : باطل إسنادا ومتنا ، ونراه مما وضعه الوكيل ، يعني : عبد الله بن جعفر الوكيل .ا.هـ.

19 - وَعَنْ بَعْضِهِمْ : جَاءَ جِبْرِيْلُ بِوَرَقَةِ آسٍ عَلَيْهَا : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، حُبُّ مُعَاوِيَةَ فَرْضٌ عَلَى عِبَادِي .

20 - ابْنُ عُمَرَ ، مَرْفُوعاً : " يَا مُعَاوِيَةُ ؛ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ ، لَتُزَاحِمَنِّي عَلَى بَابِ الجَنَّةِ " .

فَهَذِهِ الأَحَادِيْثُ ظَاهِرَةُ الوَضْعِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - .ا.هـ. كلام الذهبي .

ومن أراد التوسع في معرفة هذه الأحاديث فليرجع إلى المصادر التي ذكرتها فسيجد الكثير من الأباطيل في حق معاوية سواء ما يبين الغلو في حي معاوية رضي الله عنه ، وهذا في طرف ، ومن يبغض معاوية أيضا أورد من الأحاديث الباطلة ما يؤيد بغضه لمعاوية رضي الله عنه .

فمن الأحاديث الباطلة التي يظهر من خلالها بغض معاوية ما يلي :

1 - " لكل أمة فرعون وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان "
قال الفَتّنِي في " تذكرة الموضوعات " : ليس بصحيح . وقال الشوكاني في " الفوائد " (1199) : هو موضوع .

2 - عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ ، مَرْفُوعا ً: " إِذَا رَأَيْتُم مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِي ، فَاقْتُلُوْهُ " .
ذكره العلامة الألباني – رحمه الله – في " الضعيفة " (4930) ، وذكر طرقه ثم نقل عن السيوطي في " اللآلئ " ما نصه : قلت : قال ابن عدي : هذا اللفظ - مع بطلانه – قد قرئ أيضا بالباء الموحدة ، ولا يصح أيضا ، وهو أقرب إلى العقل ؛ فإن الأمة رأوه – أي معاوية – يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكروا ذلك عليه . ولا يجوز أن يقال : إن الصحابة ارتدت بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وخالفت أمره ، نعوذ بالله من الخذلان والكذب على نبيه .ا.هـ.

ثم علق العلامة الألباني بعد ذلك بقوله : وهذا الحديث مما اعتمده الشيعي في " المراجعات " في حاشية ( ص 89 ) في الطعن على معاوية ، مشيرا بالطعن على من أشار على استنكاره من أهل السنة ، متجاهلا ما يستلزمه الاعتماد عليه من الطعن بكل الصحابة الذين رأوا معاوية يخطب على منبره صلى الله عليه وسلم ، فنعوذ بالله من الهوى والخذلان .ا.هـ.

وهناك أمور كثيرة ذكرها الرافضة في حق معاوية ، ورد عليها شيخ الإسلام في " المنهاج " لمن أراد الرجوع إليه .

وبعد هذا كله ؛ يظهر لنا أن الناس في معاوية طرفان ووسط ، طرف تجاوز الحد في حبه ، وطرف جفا ولعن وشتم ، ووسط عرف للصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه قدره .

ونختم بكلامٍ جميلٍ قاله الإمام الذهبي في " السير " (3/132 – 133) في حق معاوية رضي الله عنه :

وَقَالَ خَلِيْفَةُ : ثُمَّ جَمَعَ عُمَرُ الشَّامَ كُلَّهَا لِمُعَاوِيَةَ ، وَأَقَرَّهُ عُثْمَانُ .

قُلْتُ : حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ - وَهُوَ ثَغْرٌ – فَيَضْبِطُهُ ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ .

وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْراً مِنْهُ بِكَثِيْرٍ ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ .

وَلَهُ هَنَاتٌ وَأُمُوْرٌ ، وَاللهُ المَوْعِدُ .

وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى رَعِيَّتِهِ . عَمِلَ نِيَابَةَ الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً ، وَالخِلاَفَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً ، وَلَمْ يَهِجْهُ أَحَدٌ فِي دَوْلَتِهِ ، بَلْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ ، وَحَكَمَ عَلَى العَرَبِ وَالعَجَمِ ، وَكَانَ مُلْكُهُ عَلَى الحَرَمَيْنِ ، وَمِصْرَ ، وَالشَّامِ ، وَالعِرَاقِ ، وَخُرَاسَانَ، وَفَارِسٍ ، وَالجَزِيْرَةِ ، وَاليَمَنِ ، وَالمَغْرِبِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ .ا.هـ.

ثانياً : ثناءُ سلفِ الأمةِ على معاويةَ رضي اللهُ عنهُ :
لقد أثنى سلف الأمة على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ثناء يتبين منه أنه من جملة الصحابة الذين لهم قدرهم ومنزلتهم كباقي الصحابة الكرام ، ونورد جملةً من عبارتهم لكي يكون المسلم على بينة من ذلك ، وأن يتق الله في هذا الصحابي الجليل ، وأن يحذر كل الحذر من الوقوع في عرضه رضي الله .

1 - سئل عبد الله بن المبارك ، أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان ، أم عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : و الله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة ، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد . فما بعد هذا ؟

أخرجه ابن خلكان في " وفيات الأعيان " (3 /33) ، و بلفظ قريب منه عند الآجري في " الشريعة " (5/2466) .

2 – عن الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً و قال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه و صاحبه و صهره و أمينه على وحيه عز وجل .

أخرجه الآجري في " الشريعة " (5/2466) ، واللالكائي في " شرح السنة " (2785) وسنده صحيح .

3 – عن أبي أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد .

أخرجه الآجري في " الشريعة " (5/2465) ، والخلال في " السنة " (666) بسند صحيح .

4 - وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله : معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم ، يعني الصحابة . أخرجه ابن كثير في " البداية والنهاية " (8/139) .

5 - و سئل الإمام أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ، ولا يجالسون ، و نبين أمرهم للناس . أخرجه الخلال في " السنة " (2/434) بسند صحيح .

6 - وقال الربيع بن نافع الحلبي : معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه . أخرجه ابن كثير في " البداية والنهاية " (8/139) .

7 – عن مهنا قال : سألت أحمد عن معاوية بن أبي سفيان فقال : له صحبة . قلت : من أين هو ؟ قال : مكي قطن الشام . أخرجه الخلال في " السنة " (653) . قال المحقق : إسناده صحيح .

8 – عن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال : قلت لأحمد بن حنبل : أليس قال النبي صلى الله عليه : " كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي ؟ قال : بلى ، قلت : وهذه لمعاوية ؟ قال : نعم ؛ له صهر ونسب ، قال : وسمعت ابن حنبل يقول ما لهم ولمعاوية ... نسأل الله العافية .
أخرجه الخلال في " السنة " (654) . قال المحقق : إسناده صحيح .

9 – عن أبي طالب أنه سأل أبا عبد الله : أقول معاوية خال المؤمنين ؟ وابن عمر خال المؤمنين ؟ قال : نعم ؛ معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما ، وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما ، قلت : أقول : معاوية خال المؤمنين ؟ قال : نعم . أخرجه الخلال في " السنة " (657) . قال المحقق : إسناده صحيح .

10 – عن حنبل قال : سمعت أبا عبد الله وسئل : من أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ قال : من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير الناس قرني " . أخرجه الخلال في " السنة " (661) . قال المحقق : إسناده صحيح .

11 – عن أبي إسحاق قال : ما رأيت بعده مثله يعني معاوية .
أخرجه الخلال في " السنة " (670) . قال المحقق : إسناده صحيح .

12 – عن أبي طالب قال : سألت أبا عبد الله يُكتبُ عن الرجل إذا قال : معاوية مات على غير الإسلام أو كافر ؟ قال : لا ، ثم قال : لا يُكَفّر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

13 – عن يوسف بن موسى أن أبا عبد الله سئل عن رجل شتم معاوية يصيره إلى السلطان ؟ قال : أخلق أن يتعدى عليه .

14 – عن إبراهيم الحربي قال : كنت أو حضرت أو سمعت أبا عبد الله وسأله رجل يا أبا عبد الله لي خال ذكر أنه ينتقص معاوية وربما أكلت معه ، فقال أبو عبد الله مبادرا : لا تأكل معه .
أخرجها الخلال في " السنة " (691 ، 692 ، 693) ، وصحح أسانيدها المحقق .

ونكتفي بهذه النقول عن سلف الأمة في حق معاوية رضي الله لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

وللموضوع بقية ...

رابط الموضوع

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل
zugailam@islamway.net

الصفحة الرئيسة