بسم الله الرحمن الرحيم

حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ فِي سَبَبِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ


الأخ tiger15
غفر الله لك .
تنقل حديثا ولا تعزو إلى مصدره ، أو على أقل تقدير تذكر سنده ، ألا تعلم خطورة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن نبيك صلى الله عليه وسلم حذر من الكذب عليه .
" وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " متفق عليه .
أخي tiger15 .
أنا أعلم أنك أردت الخير بفعلك ولكن كما جاء عن بعض السلف : وكم من مريد للخير لا يدركه .

أما ما يتعلق بما نقلت فالرد عليه من وجوه :
أولاً :
لم تسند الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن أمة الإسناد .
نقل الإمام مسلم في مقدمة صحيحه آثارا عن سلف الأمة تبين ذلك :
1 - عن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين. فانظروا عمن تأخذون دينكم .
2 - عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يسألون عن الإسناد . فلما وقعت الفتنة ، قالوا : سموا لنا رجالكم . فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم .
3 - عن عبدالله بن المبارك يقول : الإسناد من الدين . ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء .
4 - عن عبدالله يقول : بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد .
معنى هذا الكلام : إن جاء بإسناد صحيح قبلنا حديثه، وإلا تركناه. فجعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسناد. كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم .
5 - وقال محمد : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني ؛ قال : قلت لعبدالله بن المبارك : يا أبا عبدالرحمن ! الحديث الذي جاء " إن من البر بعد البر، أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك " قال فقال عبدالله : يا أبا إسحاق عمن هذا ؟ قال قلت له : هذا من حديث شهاب بن خراش . فقال : ثقة . عمن ؟ قال قلت : عن الحجاج بن دينار . قال : ثقة . عمن ؟ قال قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : يا أبا إسحاق ! إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز، تنقطع فيها أعناق المطي ، ولكن ليس في الصدقة اختلاف .

معناه أن هذا الحديث لا يحتج به . ولكن من أراد بر والديه فليتصدق عنهما. فإن الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها، بلا خلاف بين المسلمين .

نكتفي بهذا القدر .

ثانياً :
نقلت الحديث فقلت : رُوي عن علي : ... الحديث ، وكلمة " رُوي " صيغة في رواية الحديث يقال لها : صيغة التمريض ، ومعناها أن يروى الحديث بغير جزم ، ومثل هذه العبارة : يُذكر عن فلان ، أو يُروى عن فلان ، أو ذُكر عن فلان ، أو رُوي عن فلان ، أو قيل إن فلانا قال ، أو يُقال عن فلان ، ونحوها بصيغ المجهول ، ولا تستعمل هذه الصيغة إلا في الأحاديث الضعيفة .

فهذا الحديث ولو لم تسنده إلى النبي - أي لم تذكر سنده - فإنه بهذه الصيغة ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ثالثاً :
بعد البحث عن الحديث فقد وجدته في كتاب " تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين " ( ص 264 – 265) لأبي الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي ( ت 375 هـ ) .

قال الإمام الذهبي في ترجمته في السير (16/323) : صَاحبُ كِتَابِ (تنبيهِ الغَافلينَ) ... وَتَرُوجُ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ الموضُوعَةُ .ا.هـ.

أما كتابه " تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين " الذي جاء الحديث المذكور فيه فقد انتقده أهل العلم نقدا شديدا ، فالكتاب - أي " تنبيه الغافلين " - من مظان الأحاديث الموضوعة والمكذوبة ، وإليك كلام أهل العلم في الكتاب لكي تكون أنت وغيرك على بينة من أمر الكتاب .

وهذه النقولات من كتاب " كتب حذر منها العلماء (2/198 -200) .

قال الذهبي في " تاريخ الإسلام " في ترجمته ( حوادث 351 - 380 ) : وفي كتاب " تنبيه الغافلين موضوعات كثيرة .ا.هـ.

وقال أبو الفضل الغماري في " الحاوي " (3/4) : وكتاب " تنبيه الغافلين " يشتمل على أحاديث ضعيفة وموضوعة ، فلا ينبغي قراءته للعامة لا يعرفون صحيحه من موضوعه .ا.هـ.

وقد ذكر شيخ الإسلام في " الرد على البكري " أن جمهور مصنفي السير والأخبار وقصص الأنبياء لا يميز بين الصحيح والضعيف ، والغث والسمين ، وذكر من بينهم أبا الليث السمرقندي ، وقال : " فهؤلاء لا يعرفون الصحيح من السقيم ، ولا لهم خبرة بالنقلة ، بل يجمعون فيما يروون بين الصحيح والضعيف ، ولا يميزون بينهما ، ولكن منهم من يروي الجميع ويجعل العهدة على الناقل .ا.هـ.

وقال أيضا في " الفتاوى " في معرض تضعيف حديث : وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي آدَمَ يَذْكُرُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ زِيَادَاتٍ أُخَرَ كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ : وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا " أَنَّ آدَمَ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي - قَالَ وَيُرْوَى تَقَبَّلْ تَوْبَتِي - فَقَالَ اللَّهُ لَهُ : مِنْ أَيْنَ عَرَفْت مُحَمَّدًا ؟ قَالَ رَأَيْت فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَيُرْوَى : مُحَمَّدٌ عَبْدِي وَرَسُولِي فَعَلِمْت أَنَّهُ أَكْرَمُ خَلْقِك عَلَيْك ؛ فَتَابَ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ " . وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنَّ تُبْنَى عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الدِّينِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الإسرائيليات وَنَحْوِهَا الَّتِي لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهَا إلَّا بِنَقْلِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .ا.هـ.

والشاهد قول شيخ الإسلام ابن تيمية : طَائِفَةٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ .

وقال حاجي خليفة في " كشف الظنون " (1/478) : تنبيه الغافلين في الموعظة . لأبي الليث : نصر بن محمد الفقيه ، السمرقندي ، الحنفي . المتوفى : سنة 375، خمس وسبعين وثلاثمائة . وهو مجلد . أوله : ( الحمد لله الذي هدانا لكتابه... الخ ) . مرتب على : أربعة وتسعين بابا . قال الذهبي : ( فيه موضوعات كثيرة ) .ا.هـ.

وقد حذر من هذا الكتاب - تنبيه الغافلين - وغيره من الكتب الشيخ السلفي محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السلام الشقيري في كتابه " المحنة المحمدية في بيان العقائد السلفية " ( ص171 - 172) فقال تحت عنوان " كتب لا يحل قراءتها " في مبحث سبب انتشار الحكايات والمنامات الفاسدة والخرافات الفاشية التي لم يعهد لها أصل في كلام السلف الصالحين ، ولا في سنن سيد المرسلين ؛ قال : وإنما هي فاشية بين العوام والجهلاء والطغام من كتب المناقب ككتاب " الروض الفائق " ، و " روض الرياحين في مناقب الصالحين " و " ونوادر القليوبي " و " كرامات الأولياء " و " ونزهة المجالس " و " وتنوير القلوب " ، و " تنبيه الغافلين " ، وكذا كتب الشروح والحواشي الأزهرية ، وأمثال هذه الكتب لا تحوي سوى ما يفسد عقائد العوام وبسطاء العقول ، وقد كان الواجب على علمائنا أن ينبهوا العوام وبسطاء العقول ، وقد كان الواجب على علمائنا أن ينبهوا عليها في الجرائد والمجلات وفي دروسهم ومؤلفاتهم ، إذ هي السبب الأعظم في إفشاء تلك الخرافات بين العوام وفي عبادتهم لقبور الصلحاء ، فكان الواجب إيقاف طبعها ومصادرة قراءتها دفعا لضررها وتطاير شررها ، ولكن علماءنا ماتوا والأحياء لم يرج منهم أمر ولا نهي ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون .ا.هـ.

رابعاً :
فهمت من عنوان مقالك أنك تريد تعليل المواقيت للصلاة ، وماسبب وقوعها في هذه الأوقات ، وتعليل كيفيات العبادات والحكمة في وقوعها على وجوهها المختلفة أمر فيه تفصيل .

وقبل ذلك لا بد لنا من تقرير أمر مهم ألا وهو أن من أسماء الله " الحكيم " ، وقد ورد اسم " الحكيم " في القرآن أربعا وتسعين مرة ، فالله لا يفعل شيئا عبثا لغير مصلحة وحكمة ، بل أفعاله سبحانه وتعالى صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فَعَلَ ، كما هي ناشئة عن أسباب بها فَعَلَ .

والحكمة في اصطلاح الأصوليين هي المصلحة التي قصد الشارع من تشريع الحكم ‏تحقيقها أو تكميلها ، أوالمفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم دفعها أو تقليلها .‏ والناس في إثبات الحكمة لله طرفان ووسط .
1 - فطرف نفى الحكمة من فعل المفعولات وأمر المأمورات فقالوا : إن الله لا يخلق شيئا بحكمة ولا يأمر بشيء لحكمة ، وإنما أثبتوا محض الإرادة ، فيجوز أن يأمر الله بالشرك وينهى عن عبادته وحده ، ويترتب عند هؤلاء على فعل الله حِكَم لكنها غير مقصودة بل هي مترتبة على الفعل وحاصله عقيبه ، وهذا قول الأشاعرة .

2 – والطرف الثاني من أثبت الحكمة لله فقالوا : قد قام الدليل على أنه تعالى حكيم فلا يصح أن يفعل فعلا لا فائدة فيه فأوجبوا على الله بمقتضى هذه الحكمة التي أثبتوها أمورا ومنعوا أمورا لمخالفتها لمقتضى الحكمة ، وقالوا : إن هذه الحكمة تعود إلى الغير ولا يعود إليه منها شيء ، وهي صفة مخلوقة منفصلة عن الله ، وهذا هو مذهب المعتزلة .

3 - والوسط وهو مذهب سلف الأمة هو إثبات الحكمة في أفعاله سبحانه وتعالى لأنه حكيم منزه عن العبث ، ولكمال قدرته وحكمته ورحمته ، فإن هذه الحكمة منها ما يعود إليه ويحبه ويرضاه ، ومنها ما يعود إلى عباده ، وهي صفة لله غير مخلوقة .

وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يقرران أنه ليس في الشريعة حكم ‏واحد إلا وله معنى وحكمة ، يعقله من يعقله ، ويخفى على من خفي عليه . وهذه الحكمة يعلمها الله على وجه التفصيل ، وقد يُعلم بعض عباده من ذلك ما يَعلمه إياه .

ولذلك ‏قال أهل العلم : إن ما شرعه الله إن ظهرت لنا حكمته قلنا : إنه معقول المعنى ، وإلا قلنا إنه تعبدي .

وبعد هذا التقرير المهم في مسألة الحكمة في فعل الله للمفعولات وأمره بالمأمورات نأتي على الحكمة والسبب في جعل المواقيت للصلاة في أوقات معينة ، ولكن ليس عن طريق الحديث الذي وضعته هنا ، وإنما من كلام علماء الأمة ممن أطلعهم الله على الحكمة في ذلك .

من الحكم في جعل المواقيت للصلاة في هذه الأوقات :
أولا : امتثال الأمر الرباني في إيقاع هذه الصلوات في أوقاتها المحددة لأنه جاء من عند الله . والعبد كما أنه محتاج إلى إدراك أسرار ‏التشريع ليزداد يقيناً بحكمة الشارع ، وعظمة هذا الدين ، فإنه محتاج إلى التسليم بما يعجز ‏عن إدراكه ليختبر صدق إيمانه ، وصحة استسلامه لله ، باعتباره عبداً ضعيفاً عاجزاً عن ‏إدراك الكل . وهذا فرق ما بين العابد والمكابر . وهذا الأمر ليس خاصا بمواقيت الصلاة بل في سائر العبادات والمعاملات .

ثانيا : يقول الشيخ ابن عثيمين في " مقدمة رسالة أحكام مواقيت الصلاة " : فإن الله تعالى فرض على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة مؤقتة بأوقات اقتضتها حكمة الله تعالى ليكون العبد على صلة بربه تعالى في هذه الصلوات مدة هذه الأوقات كلها فهي للقلب بمنزلة الماء للشجرة تُسقى به وقتاً فوقت ، لا دفعة واحدة ثم ينقطع عنها .

ومن الحكمة في تفريق هذه الصلوات في تلك الأوقات أن لا يحصل الملل والثقل على العبد إذا أداها كلها في وقت واحد ، فتبارك الله تعالى أحكم الحاكمين " .ا.هـ.

فمن الحكم عدم إيقاع الصلوات دفعة واحدة لتكون الأوقات بمثابة الصلة بين العبد وربه ، فلو فعلها مرة واحدة لانقطعت صلته بربه سائر اليوم ، وكذلك عدم الملل لو أداها كلها مرة واحدة .

ثالثا : قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في " الشرح الممتع " (2/143 – 144) : فإن قيل : ما الحكمة في جعلها في هذه الأوقات ؟
فالجواب :
أما الفجر : فإن ظهور الفجر بعد الظلام الدَّامس من آيات الله عز وجل التي يستحق عليها التعظيم والشكر ، فإن هذا النور الساطع بعد الظلام الدامس لا أحد يستطيع أن يأتي به إلا الله ، لقوله تعالى : " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [ القصص : 71 ] .

وأما الظهر : فلأن انتقال الشمس من الناحية الشرقية إلى الغربية أيضا من آيات الله عز وجل ، فإنه لا يستطيع أحدٌ أن ينقلها من هذه الجهة إلى هذه الجهة إلا الله عز وجل .

وأما العصر : فلا يظهر لنا فيها حكمة ، ولكنه لا شك أن لها حكمة بالغة .

واما المغرب : فالحكمة فيها كالحكمة في صلاة الفجر ، وهو أن الليل من آيات الله عز وجل العظيمة التي يستحق عليها الشكر والتعظيم .

وكذلك نقول في العشاء : لأن مغيب الشفق وزوال آثار الشمس ، وهو أيضا من الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرة الله عز وجل وحكمته .ا.هـ.

وقد يكون هناك حكم أخرى أطلعها الله على بعض عباده غير ما ذكرنا ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

هذا وفي الختام ؛ معذرة على الإطالة في التفصيل ولكن المقام يحتاج إلى ذلك . والله أعلم .

رابط الموضوع

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل
zugailam@islamway.net

الصفحة الرئيسة