الحمد لله وبعد ؛
بينما كنتُ اقرأ في كتاب " الصحيح المسند من أحكام الصيام " لأبي الحسن محمد
بن أحمد الحدائي السلفي ، استوقفتني بعض ألفاظ الأحاديث الوادرة في ثنايا
الكتاب ، وأحببت أن أضعها بين أيديكم لكي تكون الفائدة أعم .
والحقيقة أن الكتاب جيد في مادته ، وقد أتي المؤلف - جزاه الله خيرا -على
كثير من مباحث الصيام ، إلا أنه في بعض الأحاديث لم يدقق فيها كثيرا من جهة
الحكم عليها .
ولست في مجال الاستقصاء لكل ما ورد في الكتاب .
وقد ذكر - جزاه الله خيرا - في مبحث " ما يكره للصائم " ( ص 114) فقال :
[ 1 ] المبالغة في المضمضة والاستنشاق
:
لقوله صلى الله عليه وسلم :
" وَبَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ
وَالِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا "
.
صحيح . رواه أهل السنن .ا.هـ.
رواه أبو داود (142، 143) ، والترمذي (38) ، والنسائي (1/66، 69) ، وابن ماجه
(448) من طريق عاصم بن لقيط بن صبرة به . قال الترمذي : حَدِيثٌ حَسَنٌ
صَحِيحٌ
والذي أعرفه أن لفظة " الْمَضْمَضَةِ " ليست في كتب السنن ، فاجتهدت في البحث
.
وبعد الرجوع إلى المصادر وجدت ما يلي
:
قال الزيلعي في " نصب الراية " (1/16)
:
وفي حديث لقيط بن صبرة ، قال له النبي
صلى اللّه عليه وسلم : أسبغ الوضوء ، وخلل بين الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق
، إلا أن تكون صائماً ، أخرجه الأربعة في "سننهم" قال الترمذي : حديث حسن
صحيح ، وأخرجه ابن خزيمة . وابن حبان في "صحيحهما". والحاكم في "المستدرك" .
وفي رواية لأبي داود عن لقيط بهذا الحديث : إذا توضأت فمضمض ، انتهى .
ورواه أبو البشر الدولابي في "جزء جمعه من أحاديث سفيان الثوري" فذكر فيه
المضمضة والاستنشاق ، فقال : حدثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن ابن مهدي ثنا
سفيان الثوري عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير بن - هكذا في المطبوع والصواب عن
كما سيأتي عند ابن القطان - عاصم بن لقيط عن أبيه لقيط بن صبرة مرفوعاً : "
أسبغ الوضوء ، وخلل بين الأصابع ، وبالغ في المضمضة والاستنشاق ، إلا أن تكون
صائما "، انتهى.
وذكره ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام" بسنده المذكور ، ثم قال : وهذا
سند صحيح . وابن مهدي أحفظ من وكيع ، فإن وكيعاً رواه عن الثوري ، لم يذكر
فيه المضمضة ، انتهى كلامه .ا.هـ. كلام الزيلعي .
وبعد الرجوع إلى كلام ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب
الأحكام " (5/592 - 593 رقم 2810) قال :
" وذكر من طريق النسائي عن لقيط بن صبرة قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن
الوضوء ؟ قال : " أسبغ الوضوء ، وبالغ في الاستنشاق ، إلا أن تكون صائما " .
وهو صحيح ، وترك منه زيادة ذكرها الثوري في رواية عبد الرحمن بن مهدي ، عنه ،
وهي الأمر بالمبالغة أيضا في المضمضة .
ولفظ النسائي ، هو من رواية وكيع عن الثوري .
وابن مهدي أحفظ من وكيع ، وأجل قدرا .
قال أبو بشر الدولابي - فيما جمع من حديث الثوري - حدثنا محمد بن بشار ،
حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن أبي هاشم عن عاصم بن لقيط ، عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أسبغ الوضوء ، وخلل بين الأصابع ،
وبالغ في المضمضة والاستنشاق ، إلا أن تكون صائما " .
وهذا صحيح .ا.هـ.
فعزو الحديث إلى أهل السنن بهذا اللفظ غير دقيق . والله أعلم .
فجزاه الله خيرا الشيخ أبا الحسن الحدائي على أن جعلني أبحث على هذا اللفظ ،
وهذه الفائدة .
ملحوظة أخرى :
قال في حاشية ( ص 22) عند كلامه على
مسألة هل رائحة خلوف فم الصائم في الدنيا أم في الآخرة ؟ فقال :
والذي رجحه ابن القيم أنها في الآخرة ، كما جاء في بعض الروايات " لَخُلُوفُ
فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ
الْمِسْكِ " رواه ابن حبان في صحيحه ، وتمام في فوائده وإسناده صحيح .ا.هـ.
ولفظة : " يَوْمَ الْقِيَامَةِ " موجودة في صحيح مسلم (2/807) .
13 - كتاب الصيام ، (30) باب فضل الصيام . رقم الحديث تحت هذا الباب (163) .
فالعزو إليها أولى من المصادر التي ذكرها ، ويكتفى به في العزو . والله أعلم
.
ومن كان لديه إضافة على ما ذكرنا ، فأكون له من الشاكرين المعترفين له بالفضل
.
رابط الموضوع