بسم الله الرحمن الرحيم

اشتراط الولي في النكاح

 
السؤال :
فتاة مسلمة من كوسوفا تقدم لخطبتها رجل ذو خُلُق و دين ، فرده أبوها لكونه غير ألباني الأصل ، و رد آخرين لأسباب أخرى منها ما هو مادي و منها ما يعتبره مغالاةً من بعضهم في التدين ، إلى غير ذلك من الأسباب و الذرائع ، مع العلم بأن الأب مفرط في جنب الله ، و مقصر في أداء ما افترضه الله عليه ، فهل لهذه الفتاة أن تنكح نفسها بدون إذن أبيها ، مع العلم بأنها حنفية المذهب ، و القانون يسمح لها بالزواج ممن تريد ، و لا يوجد في منطقة إقامتها أي سلطة دينية أو قضاء شرعي ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
لا يصح نكاح المرأة ثيباً كانت أو بكراً بدون إذن وليها ( و هو الأب أو الأقرب فالأقرب من الأكفاء ) ، و هذا مذهب الجمهور و منهم الأئمة الأربعة إلا أبا حنيفة النعمان رحمهم الله جميعاً ، و الأدلة عليه صريحة صحيحة منها ما في السنن بإسناد صحيح عن عائشة و أبي موسى رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا نكاح إلا بولي ) .
و قوله عليه الصلاة و السلام فيما رواه الترمذي و غيره بإسناد صحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها ، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له ) .
و ليخشَ من ولاه الله أمر امرأة أن يعضلها أو يحول نكاحها من كفء ذي خلق دين إذا خطبها منه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه ؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض و فساد عريض )
و عضل المرأة ( و هو منعها من الزواج لغير عذر شرعي ) محرم بنص الكتاب ، فقد قال تعالى : ( وَ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَ أَطْهَرُ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [ البقرة : 232 ] .
و روى البخاري عن الحسن رحمه الله ، قال : حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه قال : زوَّجتُ أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوَّجتُك وفرشتُك وأكرمتُك فطلقتَها ، ثم جئتَ تخطبها لا و الله لا تعود إليك أبداً ، و كان رجلا لا بأس به ، و كانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية ( فلا تعضلوهن ) ، فقلت : الآن أفعل يا رسول الله ، قال : فزوجها إياه .
فإن أصر الولي العدل على منع موليته من النكاح من الكفء المرضي في خُلُقه و دينه ، أو كان غير عدل في ولايته لفساد دينه أو رأيه ، فإن الولاية تنتقل إلى أحد أقارب المرأة العدول كالجد فمن بعده الأقرب فالأقرب ، فإن عُدموا أو لم يكن فيهم عدلٌ كفؤٌ للولاية صار أمرها إلى السلطان و هو الحاكم المسلم ، فإن لم يكن ثم حاكم مسلم كما هو الحال في معظم ديار المسلمين اليوم صارت الولاية إلى قاض يحكم بالشرع أو إلى عالم ثقة أو سيد قومه من المسلمين ، أو نحوه من الأعيان العدول ، أو العلماء الثقات ، الأمثل فالأمثل .
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله [ في المغني : 7 / 352 ] : ( فإن لم يوجد للمرأة ولي و لا سلطان فعن أحمد ما يدل على أن يزوجها رجل عدل بإذنها ) .
فليتق الله أولياء الأمور في من يلون أمورهن من المسلمات ، و لا يعضلوهن ، فإن الله بالمرصاد ، و الظلم ظلماتٌ يومَ القيامة .
و لتتق الله فتيات المسلمين و نساؤهم في نفوسهن ، فلا يُنكحن أنفسهن بدون إذن أوليائهن ، تحرزاً عن الحرام ، و بعداً عن الخداج ، و سداً لذريعة الفساد .
و الله نسأل أن يحفظ المسلمين رجالاً و نساءً من الفتن ما ظَهَر منها و ما بَطَن .
هذا و الله المستعان ، و بالله التوفيق .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com