بسم الله الرحمن الرحيم

فتوى في حكم بطاقات الاعتماد

 
السؤال :
‏نرجو إبداء الرأي الشرعي حول إصدار البنك بطاقة‏ الاعتماد المعروفة عالمياً باسم ‏‏( ‏ ‏فيزا ‏ ‏) ‏ ‏لعملائها ‏ مع ملاحظة ما يلي‏:
أولا ‏ ‏: ‏ ‏تصدر الشركة ‏‏ بطاقات ‏ بلاستيكية بناء على رغبة أحد عملائها بشروط محددة تحمل اسم عميلها و شعار شركة ( فيزا ) و اسم الشركة المصْدرة ‏‏ للبطاقة ‏.‏
ثانيا ‏:‏ ‏يقوم العميل عند حاجته لبضاعة أو خدمة بإبراز هذه ‏‏ البطاقة ‏ لدى المتاجر و المحالّ التي تقبل التعامل بهذه ‏‏ البطاقة ‏و يحصل على ما يريده و تدفع الشركة قيمتها بعد اطلاعها على الفاتورة الموقعة من العميل المتضمنة استلامه البضاعة أو الخدمة و بيان قيمتها و تسجل الشركة المبلغ على حساب عميلها الذي استلم ‏‏ البطاقة ‏ منها و ترسل له كشف حساب يسدده خلال مدة معلومة ( غالباًًً ما تكون 56 يوما ) .
ثالثا: في حالة تأخر حامل البطاقة عن الدفع ، فان البنك يقوم باحتساب نسبة ربوية زائدة على قيمة المشتريات .
فإذا علمت أنّ باستطاعتي تسديد كافة المبالغ قبل نهاية المهلة ، هل يجوز لي استصدار بطاقة من هذه البطاقات ، أم تدخل في الحرمة لوجود احتمال الوقوع في الربا ؟
و جزاكم الله خيراً .
الجواب :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، و بعد
فإنّ موضوع التعامل ببطاقات الاعتماد أو الائتمان ( و منها : فيزا و ماستر كارد و أميريكان إكسبريس و غيرها ممّا اتّحد وصفُه و اختلف مُسمّاه ) من الأمور المصرفيّة المعقّدة غاية التعقيد ، و من أسباب ذلك أنّ شروط إصدارها قد تختلف من مصرف إلى مصرف ، أو باختلاف النظام النقدي من بلد إلى بلد ، أو الاختلاف في حدّ الصرف و مهلة السداد بين عميل و عميل ، و حسب سعة ذات يده أو ضيقها ، و مقدار ما يودعه في المصرف ، و قد عُرضت هذه المسألة على مجامع و لجان فقهيّة عديدة فلم يحظ أيٌّ من آرائها على إجماع .
و إليك خلاصة ما أراه فيصلاً بين الحلال و الحرام في هذه المسألة :
أوّلاً : إذا كان تعاملك مع مصرف إسلامي معروف بتحكيم الشرع في تعاملاته الاقتصاديّة ، من خلال لجنة شرعيّة ترسم سياساته ، و توجّه تعاملاته ، فالأمر فيه سعة إذ إنّ هذه المصارف لا ترتّب على عملائها زيادةً ربويّةً و إن تأخّروا في تسديد ما بذمتهم من ديون لها ، بل غاية ما تلجأ إليه هو الاقتطاع التلقائي من حساب العميل لاستيفاء الدين الثابت في ذمّته من جرّاء الشراء أو السحب النقدي بواسطة بطاقته الائتمانيّة ، فإن لم يفِ رصيده بدَينه أوقِفَت بطاقته لحين السداد .
ثانياً : المعروف عن المصارف الإسلاميّة أنّها تقبض مبلغاً رمزيّاً مقطوعاً على كلّ عمليّة سحب نقدي بواسطة بطاقة الاعتماد ، و هذا المبلغ إن كان محدداً مهما اختلف المبلغ المسحوب فلا بأس ، لأنّه من باب الجعالة ، و يأخذ حُكم أجرة تحويل المال أو إيصاله من بَلَدٍ إلى بَلد ، أمّا إن اشترط المصرف نسبةً مئويّةً تتأثر بالمبلغ المسحوب زيادةً و نُقصاناً ، فهذه صورة من صور الربا ، و لا يجوز التعامل بها ألبتّة ، و الله أعلم .
ثالثاً : الغالب في تعاملات المصارف و شركات الاستثمار الربويّة أنّها تشترط لإصدار بطاقات الاعتماد لعملائها واحداً – على الأقل – من الأمور الثلاثة التالية :
إمّا أن يكون لديه حسابٌ جارٍ يتم الإيداع فيه بشكل دَوريٍّ دائم كالراتب الشهري ، أو الدخل المستمر ( و من أمثلته الإيجار و عائد الضمان الاجتماعي و النفقة المُلزِمة ) .
أو أن تكون لديه وديعة استثماريّة محدودة الأجل في المصرف ، بحيث لا يحق له السحب منها إلاّ بعد مضيّ الأجل المتفق عليه ، و أقلّه – فيما أعلم – ثلاثة أشهر .
أو أن يحبس مبلغاً من حساب التوفير ( أو الادّخار ) العائد له لدى المصرف ، فلا يكون له حق التصرّف فيه بالسحب أو التحويل إلاّ بعد إجازة قسم البطاقات الائتمانيّة للعمليّة , أو مضي أجل على إنتهاء صلاحيّة بطاقته ، أو إلغاء اشتراكه فيها ، أو توقيفها بسبب السرقة أو الضياع .
و يهدف المصرف من اشتراط توفر أحد هذه الأمور أو أكثر ضمان استرداد حقّه ، في حال تأخر العميل عن السداد أو تهرّبه منه أو تنكّره له .
و عليه فإن أوّل الشروط للحصول على البطاقة من مصرف رِبَوي هي التعامل مع ذلك المصرف بفتح حسابٍ أو أكثر فيه ، و إيداع مبلغ نقدي لا يقل عن الرصيد المتاح لمستخدم البطاقة في ذلك الحساب ، و هذا حرام لا يجوز إلاّ لمضطر ، و الضرورة تقدّر بقَدَرها ، و لا يجوز التوسّع فيها بحال .
أضف إلى ذلك أنّ المصرف يُفرّق بين تعاملات عميله بالبطاقة ، حيث يشترط نسبةً مقطوعة محددة على كلّ عمليّة سحب نقدي يجريها العميل ببطاقته ( و هي تتراوح غالباً بين رُبع العُشر و نِصفِه ) و هذا عين الربا .
أمّا في عمليّات الشراء فغالباً ما يقتصر المصرف على اقتطاع المبلغ المصروف بدون زيادةٍ و نقصان ، و لا مُراباة في ذلك .
و بناءً على ما تقدّم فلو كان الحصول على البطاقة مشروعاً ( و هذا ما لا أتوقّعه من مصرف يتعامل بالربا ) ، و ليس فيه حُرمةٌ أو ما يترتب على عمليّة محرّمة ؛ فلحاملها أن يستخدمها في عمليات الشراء فقط ، شريطة أن لا يتأخّر في السداد عن المدّة المسموح بها ، و أن لا يؤدي ذلك إلى سداد أي مبالغ زائدة عن المبلغ الذي أنفقه ثمناً لمشترياته ، أو للخدمات الأخرى ( غير السحب النقدي ) .
و ليحذر المتعاملون مع المصارف الربويّة من الوقوع تحت طائلة حرب أعلنها الله تعالى عليهم ما لم يبادروا بالتوبة ، فقد قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (279) وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ البقرة ] .
و لا يظن أحدٌ منهم أنّ تنازله عن الزيادة الربويّة لصالح المصرف أو إخراجها في وجه من وجوه البر و الصلة بدون توبةٍ ، يخرجه من المحظور ، و يبيح له متابعة تعامله مع ذلك المصرف ، لأنّ التعامل بالربا أو المساعدة عليه أو المساهمة فيه سواءٌ في الحرمة ، فقد روى مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه ، قَال : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ ( هُمْ سَوَاءٌ ) .‏
هذا و اللهَ أسأل أن يغنيني و السائل و المسلمين بحلاله عن حرامه ، و بطاعته عن معصيته ، و بفضله عمّن سواه .
و الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com