بسم الله الرحمن الرحيم

طلاق الغضبان و مراجعة الزوجة المكلّقة

 
السؤال :
عقدت قراني على فتاة ولم أدخل بها ومع ذلك حصلت بيننا خلوة و استمتعت بها من دون جماع ، ثم نشب بيننا خلاف تفاقم حتى أدى إلى تلفّظي في لحظة غَضَب بالطلاق في حقّها ، مع كوني آنذاك قادراً عل التحمّل ، و كنت واعياً لما أقول ، و ما لبثنا أن ندمنا و قرّرنا الرجوع إلى الحياة الزوجيّة ، فهل تعتبر الطلقة التي تلفّظت بها واقعةً رغم أنّي كنتُ في حالة غَضَب ؟
و ما المدة التي يستطيع الزوج فيها مراجعة زوجته بعد الطلقتين الأولى و الثانية سواء كانت الزوجة مدخولاً بها أو لا ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
أوّلاً : إنّ الحالة المذكورة في السؤال رغم أنّها حالة غضب لا تمنع من وقوع الطلاق ، لأنّ الطلاق لا يوقعه عاقلٌ إلاّ إذا كان في حالة غضبٍ في الغالب ، و لو كان مجرّد الغضب مانعاً من وقوعه ، لما كاد الطلاق يقع أصلاً .
أمّا الغضب الذي يمنع من وقوع الطلاق فهو الغضب المغلق ، أي الذي يُغلِق على صاحبه تمام التفكّر و التدبّر لما يصدر عنه ، و يؤثّر في عقل صاحبه ، فلا يعي معه ما يقول أو ما يترتّب على قواه .
قال ابن القيّم [ في إعلام الموقعين : 4 / 50 ] : ( أن يطلق أويحلف في حال غضب شديد قد حال بينه وبين كمال قصده و تصوره فهذا لا يقع طلاقه ... و قسم شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه الغضب الى ثلاثة أقسام :
قسم يزيل العقل كالسكر فهذا لا يقع معه طلاق بلا ريب
و قسم يكون في مبادئه بحيث لا يمنعه من تصور ما يقول ، و قصده فهذا يقع معه الطلاق .
و قسم يشتد بصاحبه ، و لا يبلغ به زوال عقله بل يمنعه من التثبت و التروي و يخرجه عن حال اعتداله فهذا محل اجتهاد ....
و التحقيق أن الغلق يتناول كل من انغلق عليه طريق قصده و تصوره كالسكران و المجنون و المبرسم و المكره و الغضبان فحال هؤلاء كلهم حال إغلاق ، و الطلاق إنما يكون عن وَطَر فيكون عن قصد من المطلِّق ، و تصور لما يقصده فإن تخلف احدهما لم يقع طلاق ) .
و لا يمنع من وقوع الطلاق عدم جدّية الزوج المُقدِم عليه ، لما رواه الترمذي و حسّنه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال : (‏‏ ‏ثلاث جدهن جد ، و هزلهن جد ؛ النكاح و الطلاق و الرجعة ‏) .
‏ قال ‏ ‏أبو عيسى ‏ الترمذي رحمه الله : ‏( العمل على هذا عند أهل العلم من ‏ ‏أصحاب النبي ‏ ‏صلى الله عليه و سلم ‏ ‏وغيرهم ) ، أي في عدم التفريق بين الجدّ و الهزل في الأمور الثلاثة .
قلتُ : و الذي يظهر من حال السائل أنّ ما تعرّض إليه من استفزاز كان بوسعه ضبطه ، و عدم التسرّع بسببه إلى إيقاع الطلاق ، و عليه فإن طلاقه واقع ، و هو طلقةٌ واحدة ، و تبقى له اثنتان ، فليتّق الله و ليتريّث و لا يعجل فيما يستقبل من أمره .
أمّا المدّة التي يحق للزوج خلالها مراجعة زوجته من طلاقٍ غير بائن ( الطلقة الأولى ، و الطلقة الثانية ) فهي مدّة العدّة ، فإن راجعها خلال عدّتها كانت رجعته صحيحة ، و دامَ عقد النكاح بينهما ، أمّا إن خرَجت من العدّة فيما دون الثلاث طلقات فلا يحق له إرجاعها إلا بعقدٍ و مهرٍ جديدين .
هذا ، و الله المستعان ، و عليه التكلان
و الحمد لله ربّ العالمين .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com