بسم الله الرحمن الرحيم

نعيم المرأة في الجنة

 
السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم:
إذا كان الرجال في الجنة يكرمهم الله بالحور العين جزاءً لهم فما نصيب المرأة التي دخلت الجنة في كل حالةٍ ممّا يلي :
1- إذا كانت متزوجة في الدنيا ، و دخلت الجنة هي وزوجها .
2- ‘ذا كانت متزوجةً في الدنيا و دخلت الجنة ، أمّا زوجُها فدخل النار أعاذنا الله و إياكم منها .
3- إذا توفيت قبل أن تتزوج في الدنيا .
4- إذا تزوّجت أكثر من مرّة في الدنيا .
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
الجنّة دار النعيم المقيم ، و من دَخَلها فقد استحقَّ من نعيمها ما يُناسب منزلته فيها ، و هذا للرجال و النساء كلٌّ بحسبه ، لأنّ ( النساء شقائق الرجال ) كما أخبر بذلك النبيّ صلى الله عليه و سلّم فيما رواه أبو داود و الترمذي و أحمد بإسناد صحيح عن أمّ المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما .
و قد جمَع الله تعالى في الذكر ، و الوعد بالأجر و الثواب بين الرجال و النساء في آياتٍ تُتلى من كتابه العزيز ؛ منها قوله تعالى : ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قَاتَلُوا وَ قُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَ لأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ) [ آل عمران : 195 ] .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية : ( أي قال لهم مخبراً أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه بل يوفي كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى ، و قوله (( بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )) أي : جميعكم في ثوابي سواء ) .
و قال تعالى : ( وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) [ النساء : 124 ] .
قال ابن كثير : في هذه الآية بيان إحسانه و كرمه و رحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذكرانهم و إناثهم بشرط الإيمان .
قلتُ : و الآيات الدالة على المراد غير ما ذكرنا كثيرة ، و منها ما تُعرَفُ دلالته بمعرفة سبب نزوله ، فقد روى الترمذي بإسنادٍ حسَّنَه عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إِلاّ لِلرِّجَالِ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) الآيَةَ.
و ما دام السؤال منصبّاً على نعيم المرأة في الجنّة فنقول ، و بالله التوفيق :
إذا كان الزوجان من أهل الجنّة فإنّ الله تعالى يجمعُ بينهما فيها ، بل يزيدهُم من فضلِه فيُلحِقُ بهم أبناءهم ، و يرفع دَرجات الأدنى منهم فيُلحقه بمن فاقه في الدرجة ، بدلالة إخباره تعالى عن حملة العرش من الملائكة أنّهم يقولون في دُعائهم للمؤمنين { ... ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومَن صلح مِن آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم } [ غافر : 8 ] .
و قوله تعالى { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ... } [ الطور : 21 ].
أمّا إن كان أحد الزوجين من أهل النار فإمّا أن يكون كافراً ، فهذا يُخلَّد فيها ، و لا ينفعه كون قرينه من أهل الجنّة ، لأنّ الله تعالى قضى على الكافرين أنّهم ( خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ و لا هُمْ يُنْظَرُونَ ) [ البقرة : 162 و آل عمران : 88 ] .
و قضى تعالى بالتفريق بين الأنبياء و زوجاتهم إن كنّ كافرات يوم القيامة ، فقال سبحانه : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) [ التحريم :10 ] ، فكان التفريق بين سائر الناس لاختلاف الدين أولى .
قال الحافظ ابن كثير [ في تفسيره : 4 / 394 ] عند هذه الآية الكريمة :
قال تعالى (كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ) أي : نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلاً ونهاراً يؤاكلانهما و يضاجعانهما و يعاشرانهما أشد العشرة و الاختلاط ، ( فَخَانَتَاهُمَا ) أي : في الإيمان لم يوافقاهما على الإيمان ، و لا صَدَقاهما في الرسالة ، فلم يُجدِ ذلك كله شيئاً ، و لا دفع عنهما محذوراً ، و لهذا قال تعالى ( فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ) أي : لكُفرهما ، و قيل للمرأتين ( ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) .اهـ .
أما إن كان للمرأة في الدنيا أكثر من زوجٍ ، فإنّ من فارقَها بطلاق حُلّ زواجه بطلاقه ، فتعيّن افتراقهما في الآخرة كما افترقا في الدنيا ، و أمّا إن مات عنها و هي في عصمته ، ثم تزوّجت غيره بعده ، فلآهل العلم ثلاثة أقوال في من تكون معه في الجنّة :
• القول الأول : أنّها مع من كان أحسنَهُم خُلقاً و عشرةً معها في الدنيا ، و لا دليل على هذا القول ، إلا حديثٌ منكرٌ لا يصلح حجّة عليه .
• و الثاني : أنها تُخيَّر فتختار من بينهم من تشاء ، و لا أعرف دليلاً لمن قال به .
و هذان القولان ذكرهما الإمام القرطبي في كتابه الشهير التذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة [ 2 : 278 ] . و اختار الثاني منهما الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله ، و بعض المعاصرين .
• و القول الثالث : أنها تكون في الجنّة مع آخر زوجٍ لها في الدنيا ، أي مع من ماتت وهي في عصمته ، أو مات عنها و لم تنكح بعده ، و يدلّ على هذا القول ما رواه البيهقي في سننه [ 7 / 69 ] عن حذيفة رضي الله عنه ثم أنه قال لامرأته إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لأخر أزواجها في الدنيا فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة ، و حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال : ( أيما امرأة توفي عنها زوجها ، فتزوجت بعده ، فهي لآخر أزواجها ) و قد صححه العلاّمة الألباني رحمه الله [ في السلسلة الصحيحة 1281] ، و لم أقف على تصحيح أحدٍ قَبلَه له .
و إذا صح الحديث فلا يُُُعدَل عنه إلى غيره ، و لا يُعدَلُ به غيرُه ، فلذلك كان القول الثالث أولى الأقوال بالاعتبار ، و أرجَحَها ، و الله أعلم .
أما إذا لم يكُن للمرأة زوجٌ من أهل الدنيا في حياتها ؛ فإنّ الله تعالى يزوّجها بمن تقرُّ به عينُها في الجنّة ، لأنّ الزواج من جملة النعيم الذي وُعد به أهل الجنّة ، و هو ممّا تشتهيه النفوس ، و تتطلّع إليه ، و قد قال تعالى : ( وَ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَ أَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [ الزخرف : 71 ] .
و ينبغي للمسلم أن يشتغل بسؤال الله تعالى الجنّة و نعيمها على وجه الإجمال ، ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) ، و من دخَلها فحق على الله أن يُرضيه ، و الله الموفّق .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com