بسم الله الرحمن الرحيم

استصحاب الطلاق المعلّق إلى زواج آخرٍ

 
السؤال:
حلف على زوجته بالطلاق ألا يوصلها ، و أن لا يذهب معها إلى دارٍ بعينها ، ثم طلقها فعلاً ، و لكن لأسباب أخرى ، و بانت منه بينونة كُبرى فهل لو تزوجها مرة أخرى يظل هذا اليمين سارياً على الزواج الجديد ، أم لا ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
الطلاق حلٌّ لعُرى الزوجيّة و روابِطها بالكامل ، فإذا طُلّقت المرأةُ طلاقاً بائناً ، و خَرجت من العدّة ؛ فقد خَرَجت من عِصمة زوجها ، و لا يحلّ لها أن تعود إلى عصمته إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً لا حيلةَ فيه ، فإذا طَلَّقَها الزوج الآخر ، و انقَضَت عِدّتها ، فلها و لِزَوجها الأوّل أن يتزوّجا من جديدٍ ، بمهرٍ و عَقدٍ جديدَين .
و قد فرّق بعضُ العلماء بين ما إذا كانت بينونة المرأة من زوجها بانقضاء العدّة بعد طلقةٍ أو طلقتين ، أو كانت بثلاث تطليقاتٍ بائنة ، و قد أحسن الإمام القرطبي رحمه الله ، في عَرض أقوال أهل العِلم في المسألة عند تفسير قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) [ البقرة : 230 ] ، فقال رحمه الله :
قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَهَا ) يريد الزوج الثاني ، ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) أي المرأة و الزوج الأول , قاله ابن عباس , و لا خلاف فيه . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الحُرَّ إذا طلق زوجته ثلاثاً ، ثم انقضت عدتها و نكحت زوجاً آخر و دخل بها ثم فارقها و انقضت عدتها ثم نكحت زوجها الأول أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات .
واختلفوا في الرجل يطلق امرأته تطليقةً أو تطليقتين ثم تتزوج غيره ثم ترجع إلى زوجها الأول , فقالت طائفة : تكون على ما بقي من طلاقها , و كذلك قال الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم … و به قال عبيدة السلماني و سعيد بن المسيب و الحسن البصري و مالك و سفيان الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو عبيد و أبو ثور و محمد بن الحسن و ابن نصر .
و فيه قول ثانٍ ، و هو ( أن النكاح جديد و الطلاق جديد ) … و به قال عطاء و النخعي و شُريح و النعمان و يعقوب .
… و فيه قول ثالث ، و هو : إن كان دخل بها الأخير فطلاق جديد و نكاح جديد , و إن لم يكن دخل بها فعلى ما بقي , هذا قول إبراهيم النخعي .انتهى من تفسير القرطبي .
قلتُ : و الأرجح مذهب الجمهور ( مالك و الشافعي و أحمد و محمّد بن الحسن من الحنفيّة و من وافقهم ) في أنَّ المرأةَ إذا طُلّقت طلقةً أو طَلقَتَين ، ثم خَرجت من عِصمة الزوج الأوّل بانقضاء العدّة ، فتزوّجت غيرَه ، ثمّ طلّقت ثانيةً و عادت إلى عِصمة الأوّل ، فإنّها تعود مطلّقةً طلقةًًً أو طلقَتَين ، على ما كانت عليه قبل بينونتها الأولى ، فإن طلَّقَها طلقةً واحدةً فهي ثالثةٌ في حَقّها ، و تخرج بها من عِصمته .
و على هذا يُقاس الطلاق المُعلَّق ، فلو علَّقَ طلاقَها على فِعلٍ معيَّن ، ثمّ خَرَجتْ من عصمته بانقضاء العدّة من أقلّ من ثلاث طلقات ، ثم عادت إلى عصمته بعد زواجٍ و طلاقٍ آخَرَين ، فليحذرا من إيقاع الفِعل الذي عُلّق عليه الطلاق في الزواج الأوّل ، لأنّ في وُقوعه إيقاعٌ للطلاق ، و الله أعلَم .
أمّا إن كان خُروجُها من عِصمة الزوج الأوّل بسبب طلاقها ثلاثاً ، فإنّ عودتها إلى عِصمته ، بعد زواجها و طلاقها من الزوج الآخَر ، يُعَدُّ زواجاً جديداً له شروطه و أحكامه ، و كلّ ما كان في الزواج الأوّل قبل الطلاق ( من مهر و عقدٍ و تعليقٍ للطلاق بالفعل أو الزَمَن ، و نحو ذلك ) يعتبرُ لاغياً ، و على الزوجين أن يستأنِفا حياتهما الزوجيّة من جديد ، و بالله التوفيق .
و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com