بسم الله الرحمن الرحيم

حكم القروض الزراعيّة

 
السؤال :
تقوم الحكومة الجزائرية بدعم الفلاحين في بعض المشاريع الزراعيّة بتقديم نسبة مئوية من تكلفة المشروع للفلاح ، و على الفلاّح أن يدفع النسبة الباقية من تكلفة المشروع بنفسه .
و إن كان غير قادر على ذلك اقترضها من البنك بدون فوائد .
و يتمّ إنجاز المشروع ( كحفر الأبار مثلا ) من طرف مقاول يختاره الفلاح و إن كان قادرا على إنجازه بنفسه مع عمال قام بذلك ( كغرس النخيل مثلا ) .
لكن لا تقوم الحكومة بدفع النسبة المذكورة أعلاه إلا عن طريق البنك المذكور حيث يأخذ من تكلفة المشروع نسبة 3 بالمائة معتبراً إياها - خدمات و مرتبات للموضفين و نحو ذلك .
كما يشترط على الفلاح المدعوم تأمين المشروع و فتح حساب بنكي بمبلغ يقدر بثلاثة آلاف دينار جزائؤي في البنك الوسيط .
ملاحظات :
1- لا يوجد أي نشاط في البلاد لا يخضع للتأمين حتى مرتبات الموظفين .
2- البنك الوسيط يتعامل بالربا وبغير الربا .
فما حكم الشرع في هذه المعاملة ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
ما ذكره الأخ السائل في مطلع سؤاله من إمكانيّة الحصول على قرض غير ربوي ( بدون فوائد ) ، لا إشكال فيه ، و له أن يقترض ما شاء ممّن شاء إذا تيقّن خلوَّ العقد من الربا المحرّم .
و إذا كانت الدولة أو غيرها من الجهات الدافعة لا تؤدّي إليك حقّك إلا عن طريق مصرِفٍ يقتطع من المبلغ المستحق نسبةً مئويّة قلّت أو كثُرَت ، و أنت مُكره لا خيار لك في ذلك ، فلست آكلاً للربا و لا موكلاً له ، و الإثم على معطيه و آخِذه .
و ما مَثل هذه الحالة إلا كمثل ما تقوم به بعض الحكومات و الشركات الكبرى التي تؤدّي رواتب الموظّفين و العمّال عن طريق المصارف الربويّة حصراً ، فتشترط على الموظّف فتح حسابٍ جارٍ باسمه ، و تودع راتبَه الشهريّ في حسابه مباشرةً ، و لا تُعطيه حقّه نقداً ( يداً بيدٍ ) و إن طلب ذلك و أصرَّ عليه ، فلا يقَع الإثم عليه في هذه الحال ، و عليه أن يَقبضَ ما يودَع في حسابه من مال فورَ تمكّنه كي لا تترتب عليه زيادةٌ رِبويّة عائدةٍ له أو للمصرِف .
و عليه فإذا كان للأخ السائل خيارٌ في استلام القرض مباشرةً من المقرِض ، فلا يجوز له غير ذلك ، أمّا إن أُكرهَ على القَبض عن طريق المصرف ، فلا بأس في ذلك ، و الإثم على من ألجأه إليه ، و أكرهه عليه .
ثمّ لا أدري إن كانت زيادة الثلاثة في المائة ( المذكورة في السؤال ) تُدفَع مرّة واحدة خلال مدة العقد التي قد تطول ، أو تُدفع مرّةً كلّ سنةٍٍٍ ، فإن كانت تؤدى مرّةً واحدةً لِقاء خدمات مُحدّدةٍ معلومة ، لا يؤثّر فيها تأخر السداد ، فقد يكون الأمر لقاء خدمات مصرفيّة حقّاً ، و مع ذلك فلا بدّ من التأكد قبل إجراء العقد ، فإذا انتفى الربا يقيناً ، و تمّ الاتفاق على أجرةٍ للخَدمات المقدَّمة من المصرف حقيقةً لا تحايلاً فلا بأس في العقد في هذه الحال و الله أعلم .
أمّا إن كانت هذه الزيادة ، تُدفَع سنوياً ، أو تزيد في حال التأخّر عن السداد ، أو كانت هناك زيادة أخرى - مهما كان مقدارها – يدفعها المقترض مقابل الأجل ؛ فالزيادة في هذه الحال رِبَويّة و لا أثر لتسميتها فوائد أو رسوم خدمات أو غير ذلك في الحكم ، إذ إنّ العبرة في العقود بالمقاصد و المعاني ، لا بالألفاظ و المباني كما هو مقرّر عند أهل العلم .
و على من أراد الحصول على قَرضٍ للزراعة ( الفِلاحة ) أو غيرها أن يحتاط من الربا ، و لا يتوسّع في باب الضرورات ، لأنّ الضرورة تُقدّر بقَدَرِها ، و من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه .
أمّا قول السائل : ( لا يوجد أي نشاط في البلاد لا يخضع للتأمين حتى مرتبات الموظفين ) فالظاهر فيه أنّ التأمين إجباريٌّ في بلد السائل ، و إذا كان كذلك فلا إثمَ على الأفراد المكرهين عليه ، ما لم يُقدموا عليه اختياراً .
أمّا التأمين الاختياري فالبحث فيه يطول ، و الخلاف في آحاد مسائله مشهور ، و ليس هذا مقامَ بيانِه ، لعدَم السؤال عنه .
و كونُ المصرف الوسيط يتعامل بالربا و بغير الربا ، كافٍ لوجوب الشبهة في تعاملاته ، خاصّةً و أنّ بعض المصارف تودِعُ أموال المستثمرين في حسابات تزعم أنّها لا تتعامل فيها بالربا ، بل تعيد إليهم رؤوس أموالهم عندَ الطَلَب بدون زيادةٍ أو نُقصان ، و لا يعني هذا أنّها أبقَت هذه الأموال مجمّدةً في خَزَائنِها ، بل ربّما أُقرِض بعضها و ترتّبت على إقراضه زيادات ربويّة استأثر بها المصرف ، و لم يؤدّها إلى المودِع ، و هذا لا يُخرج المعاملة من دائرةِ المحرّمات ، لوجود الربا فيها و إن لم يقبضه المودِع .
و لذلك أرى أنّ التعامل مع المصرِف الرِبويِّ محرّمٌ شَرعاً ، لأنّ في ذلك إعانةٌٌٌ على الربا و إن لم يكُن أكلاً مباشراً له ، لأنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ : ( هُمْ سَوَاءٌ ) فيما رواه مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه .
و بالجملةِ فلا بأس من الحصول على قرضٍ من الدولة إذا خلا من الربا يقيناً ، و إلاّ فلا ، و الله تعالى أعلم .
و أسأل الله تعالى أن يوفقنا و الأخ السائل ، و سائر المسلمين لما فيه صلاح الدنيا و الدين .
و الحمد لله ربّّّ العالمين ، و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com