بسم الله الرحمن الرحيم

فتوى حول اغتيال الحكام

 
السؤال :
ما الحكم في اغتيال الحكام العرب في ظل خنوعهم و رفضهم فتح أبواب الجهاد ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
إن استحلال الدم – أي دم – أمر في غاية الخطورة ، لذلك وجب التأني و التريث عند البحث في مسألة كهذه المعروضة في السؤال ، و فيما يلي بعض ما لا يسعني كتمانه ، و لا يسع السائل إغفاله :
أوّلاً : لا فرق في الحكم بين حاكم عربي أو غير عربي يحكم بلاد المسلمين ، إذ إنّ العبرة بحاله لا بلسانه ، فإذا كان الحاكم كافراً كفراً بواحاً يخرج صاحبه من الملّة ، فيشرع الخروج عليه و خلعه بلا خلاف بين أهل العلم ، فقد روى الشيخان و غيرهما عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أنّه قَالَ : دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَ مَكْرَهِنَا وَ عُسْرِنَا وَ يُسْرِنَا وَ أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَ أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، قَالَ : «‏ إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ »‏ .‏
ثانياً : إذا ظهر من الحاكم الكفر البواح ، و انتفى المانع من تنزيل الحكم عليه ( كالاشتباه و الإكراه و نحو ذلك ممّا قرّره أهل العلم ، و أفتى أهل العلم بكفره أصلاً ، أو ردّته بعد إيمان ، فقد شرع الخروج عليه ، و حُكِم بإراقة دمه كفراً أو حدّاً .
ثالثاً : تراعى في هذه الباب مصلحة الأمّة ، و حكمة الداعية في الإنكار و التغيير ، فلا يصار إلى خروج يؤدي إلى إراقة دماء المسلمين ، و يغلب على الظن وقوع مفسدة تفوق المصلحة المرجوّة منه أو تُعادلها .
رابعاً : التعليل المذكور في السؤال أعلاه من الخنوع ليس مكفّراً في ذاته ، ما لم يكن مظهراً من مظاهر موالاة الكافرين و معاداة الموحّدين ، كما لا يكفر الحاكم إذا امتنع عن فتح الحدود أمام الشعوب الإسلاميّة المتعطّشة للجهاد في سبيل الله ، القادرة عليه ( عدداً و عُدّةً و استعداداً ) ما لم يسقط وجوب الجهاد بالكلّيّة ، و يتخذ حظره سياسةً رسميّة لا رجعة عنها و لو بعد حين ، أمّا إن اعتقد سقوط الجهاد مطلقاً ، فقد خرج من الإسلام بالكلّية ، خروجاً يشرع معه الخروج عليه .
خامساً : إراقة الدم بالاغتيال أو غيره من مظاهر الخروج على الحاكم سواءٌ في الحكم الشرعي ، فإذا كان الخروج مشروعاً فلا يتغيّر حكمه بتغيّر آليّاته ، و إذا كان محرّماً فهو حرام بأيّ آليّة كان .
و أخيراً – أخي الدكتور السائل _ أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لخير القول و العمل ، و أن يعصمنا من الحَيف و الضلالة و الزلل .
« اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِى إِلَيْكَ غَيْرَ »‏ .‏
«‏ اللَّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِى الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِى الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْقَصْدَ فِى الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَلِذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ »‏ .‏
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com