بسم الله الرحمن الرحيم

حكم الزواج العرفي و الإجهاض للضرورة

 
السؤال :
لي أخ له عقد قرانه عرفياً على فتاة دون الدخول بها إلى غاية الصيف المقبل إن شاء الله حيث تم هذا العقد بجميع شروطه إلى غاية إقامة العقد القانوني في البلدية لكنه و أثناء التقائه بها في الأيام الفارطة قاما بما لا يجب القيام به إلا بعد الزفاف النهائي حيث جامعها ، و نتج عنه الحمل ، فأردت التدخل لتسوية الوضع مع أهلها كي نقيم الزفاف في أقرب الآجال و أبلغنا أمها بالموضوع فرفضت رفضاً قاطعاً أن نبلغ أخوها الوصي عليها مخافة أن يقوم بقتلها أو أي شيء من هذا القبيل فأضطر أخي بعد محاولات عدة إلى القيام بعملية الإجهاض و ذلك ما تم بعد أن بلغ الجنين عمر الشهرين فأود منكم من فضيلتكم الإجابة على هذا السؤال لأن ضميري بات يؤنبني خوفاً من أن يكون أخي قد قام بعملية قتل لابنه و الرجاء بيان حكم الشرع فيما قام به ، و ما يجب عليه القيام به بعد هذه المشكلة للتكفير عن ذنبه .
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
هذا السؤال ذو شائبتين لكلٍ منهما حكمها الخاص ، و هما :
أوّلاً : حكم ما بات يُعرف بالزواج العُرفي ، و هو زواجٌ صحيح إذا توّفّرت فيه الشروط الشرعيّة ، و هي الإيجاب و القبول ( موافقة الطرفين ) و إقرار ولي أمر الفتاة ، و تسمية ( تحديد ) الصداق ( المهر ، و إشهادُ ذَوَي عدلٍ .
فإذا توفّرت هذه الشروط في العقد كان النكاح مشروعاً ، حتى و إن لم يُعلَم به أحدٌ غير الشاهدين ، و لم يُسجّل في الدوائر الرسميّة ( كمكتب المأذون أو المحكمة أو سجل الأحوال الشخصيّة أو غير ذلك ) .
و عليه فإنّ ما جرى بين الزوجين المقصودين في السؤال حقّ شرعي لهما ، و حملُ المرأة من زوجها لا إثم فيه و لا غُُُبار عليه ما دام العقدُ مستوفياً للشروط الشرعيّة .
ثانياً : حكم الإجهاض ، فقد ذهب جمهور الفقهاءِ إلى حُرْمَةِ الإقدام عليه عَمداً إلا لعذر شرعيِّ ، و لم يفرّقوا في ذلك بين كونه قبل نفخ الروح في الجنين أو بعد نفخها ، نظراً لما ينطوي عليه الإجهاضُ المتعمَّد من أضرار بالغة على الأم والجنين ، ولأنَّ الجنينَ يعدُّ حياً من بداية الحمل ، و حياتُهُ محترمةٌ في كافَّةِ أدوارها و بخاصة بعد نفخ الروح فيه ( في نهاية الشهر الرابع ) .
أمّا إذا ما دعت ضرورةٌ معتبَرةٌ شرعاً لإجهاض الجنين ، كأن يكون في بقائه خطر محقق على حياة الأم ، جازَ إجهاضُه أخذاً بحكم الضرورة .
و الحالة المذكورة في السؤال تدلّ على وجود ضررٍ سيلحق بالمرأة على سبيل التيقّن أو غَلبة الظنّ ، حيث قد يُقدِم و ليّها على قتلها لاعتقاده أنّ عقد الزواج العرفي المستوفي للشروط الشرعيّة لا يبيح للزوجين أن يفضي بعضهم إلى بعضٍ ، فلا بأسَ في هذه الحال من الإجهاض ، خاصّة و قد كان قَبل نفخ الروح في الجنين ، و هو ما يبيحه بعض أهل العلم حتى مع عَدَم وجود الضرورة ، فكيفَ و قد وُجدت ؟ و النبيّ صلى الله عليه و سلّم قضى بأن : «‏ لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ »‏ كما في حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه الذي رواه ابن ماجة و مالك و أحمد بإسنادٍ صحيح .
و عليه فلا شيء عليك و لا على أبوَي الجنين الذي تمّ إجهاضه في الظروف المذكورة في السؤال خاصّة ، و لكن حذار من التوسّع في هذا الباب ، لأنّ الضرورة تقدّر بقَدَرها .
و الله من وراء القصد ، و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .

كتبه
د . أحمد عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com