بسم الله الرحمن الرحيم

صدَّام ... عزيز قوم ذلَّ

 
( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ آل عمران : 26 ]

الحمد لله و كفى ، و الصلاة و السلام على عباده الذين اصطفى ، و بعد
فقد أفل نحم صدَّام الطاغيةِ من ساحة الحكم ، و إن كان ذلك لا يتطلب لزاماً أن يأفل من تاريخ الإنسانية إلى الأبد ، لأن صفحات التاريخ بما فيها من خير و شر ، لا يمكن أن تطوى ، و ليس بمقدور أحد أن ينسف مرحلة تاريخية تعد بعشرات السنين بدعوى التخلص من تبعات الظلم و الطغيان التي شهدتها .
فالتاريخ لا يزال شاهداً على أحداث جسام وقعت في مختلف مراحله ، و حاول الكتاب و المؤرخون توجيهها بحسب آرائهم و قناعاتهم التي صبغت بها كتاباتهم ، من دون أن تلغي ما كتبه الآخرون ، و ظلت أسفار التاريخ خير وعاء لما قاله هؤلاء و أولئك ، مقرَّةً بذلك تعدد الرؤى و الآراء ، التي عجز عن الإقرار بها الساسة و الكتاب و القادة و المفكرون .
فكما أن الجنود الذين وقفوا جاثمين أمام نهب تراث الأمة في العراق ، و شواهد تاريخه العريق ، لم يكُن باستطاعتهم تغيير تاريخه الغابر ، فلن يستطيع من أسدلوا الستار على مرحلة من حكم صدام و حزبه ، أن ينسفوا مرحلة من مراحل تاريخه المعاصر ، أو تاريخ العالم الذي عاش فيه مؤثراً و متأثِّراً بقرار إقصاءٍ أو تجميدٍ ، أو اعتقالٍ أو تصفيةٍ .
و نحن إذ نقف أمام حدث جسيم لم يبدأ باعتقال صدام ، و لن ينهيه اعتقاله ، و إن كان أحد أبرز معالمه ، لن نردد - و لا ينبغي لنا أن نردد - ما لا نسمع له نقضاً و لا نقداً من قوة المحتل الجاثم على أرض العراق ، و المستأثر باقتصاده و سياسة أهله ، المتسلط على رقاب بنيه ، و ما ظهر من ثرواته و ما بطن ، و لا من أولئك الذين يسبحون بحمد المحتل ، و يتسابقون على ما يمجه بين أيديهم مما فضل عن حاجته ، أو قصُرَ عن سيطرته .
إننا لا نريد من هؤلاء و لا غيرهم أن يمجدوا صدام ، لأنه أهان نفسه قبل أن يهنه أعداؤه ، و أجرم في حق أمته قبل أن يجرم في حقه أعداؤها ، و أذنابهم و أجراؤهم من أبنائها .
و لا ندعوا لعودته إلى سدة التسلط و الجبروت التي قال بلسان حاله من فوقها ذات يوم : ( أنا ربكم الأعلى ) و ( ما علمت لكم من إله غيري ) ، فقد تحملت الأمة من عبء مظالمه ما تنوء بحمله الجبال ، شأنه في ذلك شأن سائر الطغاة ، و إن كان أسرع في السقوط منهم ، و أجلب على نفسه بخيله و رَجِلِه ، و أسلحة دماره الشامل و المشمول ، ما عُلِمَ منه و ما لم يُعلَم .
و لكننا – و الله غايتنا – نرمي إلى قول كلمة حق ندين الله تعالى بها ، و نؤديها بعد أن ظلت ديناً في أعناقنا ، فكما أفتينا من قبل بردة الرجل عن الإسلام ، و بيَّنا ما كان منه من كفر بواح ؛ إذ صرَّح باعتقادة بمبادئ الكفر ( الحزبية منها و الشخصية ) ، و أعلنها حرباً على الإسلام بلا هوادة ، و حادَّ الله و رسوله ، و لم يكن له من عذر يرفع عنه حكم الكفر ، فقد أقيمت عليه الحجة فقطع لسان من نطق بها ، و انتفت عنه شبهة الإكراه و التغرير لما عرِف في يده من قوة ينزجر أمامه من يلوح له بالإكره ، أو يسعى به إلى التغرير .
فقد قلنا بكفره يومها ، لأن الحق أمامنا أبلج لا لبس فيه ، و لم نقله تبريراً لاستعانة جيرانه بقوى الكفر في حربه ، و لا بسبب غزوه لجارته ( العربية ) ، و لا لأن حاكماً استنطقنا فنطقنا بما نعتقد أو يعتقد .
قلنا بكفره لفساد فكره الذي اتخذه ديناً و ديدناً ، و رأينا أن الحكم عليه بالكفر هو الأصل ، و أن ما سوى ذلك عارض لا يصار إليه إلى بدليل جلي واضح في ظهوره كالشمس في رابعة النهار نشهدُ به أو نَدَع .
و دارت الأيام دورتها فرأينا من الرجل في سنوات حكمه الأخيرة إقبالاً على الإسلام من جديد ، سواء كان ذلك في خاصة نفسه ، و سلوكه الفردي ، أو في توجيهه لأركان حكمه و عناصر حزبه الذين أ َطَرَهُم على الدورات الشرعية ، و حفظ القرآن الكريم أَطْراً ، و رأيناه يستبدل الرسالة الخالدة ( رسالة صعاليك العرب و دعاة القومية المعاصرين و الغابرين ) بما يشير إلى دين الأمة و مكمن عز أبنائها ، فيكتب بخط يده على راية بلاده لفظ ( الله أكبر ) ، و هذه تطورات منهجية لو كتب لها التطبيق لأحدثت انقلاباً فكرياً جذرياً في فكر البعث العراقي و عقيدة أعضائه عقب حرب الخليج الثانية التي قادتها دول التحالف الصليبي لإجلاء الجيش العراقي من الكويت ، و عُرِفت في وقتها بحرب تحرير الكويت .
بدأت معالم التوجه الجديد للحزب الحاكم في العراق تتضح شيئاً فشيئاً بعد أن شُكلت لجنة حزبية ( تصحيحية ) مكلفة من قبل صدَّام بإعادة صياغة المناهج التي تشكل العقلية الدينية لحزب البعث ، فتقدَّمت اللجنة بتوصيات عُرضت للقيادة واضعةً نصب عينيها أملاً ضئيلاً في إجازتها ، و ذُهل الجميع أمام تبني القيادة لعدد من هذه التوصيات و اعتمادها ضمن ما سمي لاحقاً باسم الحملة الإيمانية ، رغم أن ذلك كان مستبعداً في نظر العارفين بتاريخ النظام الحاكم ، رئيساً و أعضاءً .
و مما أُخِذَ به و قُنِّنَ مِن بَعدُ اعتماد منهج شرعي يُدَرَّس لأعضاء الحِلَق الحزبية بمختلف مستوياتها ، و لهذا الغَرَض تم تأسيس معهد عالٍ تُدَرَّسُ فيه خلال عامين العلوم الشرعية لكوادر الحزب ، بصفةٍ إلزامية يعاقب المتخلف عنها ، و اختيرت للتدريس في المعهد كُتُب عُرِفت بسلاسة التأليف و سلامة المنهج ككتاب فقه السُنَّة ، للسيد سابق ، و منهاج المسلم ، لأبي بكر الجزائري ، إلى جانب مقررات حفظ القرآن الكريم التي بلَغت ثلاثة أجزاء في بعض المستويات .
فكيف إذا أضيف إلى ذلك إلزام كوادر الحزب بشهود الجُمَع و الجماعات في المساجد ، و غير ذلك من الأمور التي يعتبر مجرد تقريرها – و لو نَظَرياً – أمارةً على تحوُّل كبير في مسيرة الحزب الذي قاده صدَّام و رسم معالم مسيرته الرئيسة .
و لم يقف حد ( الإصلاحات ) على التوجه الحزبي و مسيرة ( الرفاق ) بل شمل أنظمةً و أعمالاً تستحق الإشادة و العرفان ، فقد وقفَ الثقات لصدام على أعمال جليلة في مجالات التعليم الشرعي و دعم الجهاد و أهله في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس بتجهيز الاستشهاديين ، و خلافة أسرهم بخير ، و إغاثة اللهفان من ضحايا الاحتلال و الاستيطان ، و قمع الفساد و تعقب أهل الفواحش و البغاء المعاصي في أنحاء العراق ، و نحو ذلك مما يعتبر دليلاً على التوجه الجديد للرجل ، فشهد قومٌ بما علموا ، و قيد آخرون بالكتابة و المقال .
و من أعماله المشهودة داخلياً على سبيل الذكر لا الحصر توسعه في بناء المساجد ، و تشجيعه على ذلك بإسقاط الضرائب عمن يبني لله مسجداً . و لو كان مقياس الالتزام بالشريعة السمحة قائماً على توسعة المساجد ، لكان أكثر التزاماً في هذا الباب من أكثر الدول الإسلامية تغنياً و مفاخرة بالتوسعات .
و حينما تسابق حكام المسلمين على إرضاء الغرب بالتضييق على التعليم الشرعي في بلادهم ، و تضييق الخناق على ما يسمونه إرهاباً بتحريف المناهج الشرعية و التضييق على أروقة العلم و مناراته و معاهده و جامعاته ، عَمَدَ صدام إلى السعي في الاتجاه المعاكس لرغبات الغرب الصليبي في هذا المضمار فبنى عدداً من دور التعليم الشرعي و أغدّق عليها العطاء ، و منها : المعهد العالي للإمامة و الخطابة ذي الفروع المنتشرة في المحافظات ، و جامعة صدام للعلوم الإسلامية ، و كلية المعارف بالرمادي ، و كلية العلوم الإسلامية و فيها قسم لأصول الدين ، و آخَر للشريعة ، إلى غير ذلك مما بلغنا و ما لم يبلغنا خبره .
و لولا الإطالة لأسهبنا في ذكر أمارات التوبة التي ظهرت على صدام خلال السنوات العشر الأخيرة ، و من أراد التوسُّع و الإحاطة أحلناه على ما نُشِر في موقع مفكرة الإسلام الإخباري على شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) ففيها إجادة و إفادة .
و ها نحن أولاء إذ بَلَغَنا عن صدَّام ما يدلُّ على توبته من الكفر ( الأكبر ) المخرج من الملّة قلنا ( و ما شهدنا إلا بما عَلِمنا ) : أفلَح إن صَدَق ، و توقعنا منه ، و رجونا له العَوْد الحميد إلى دين الله المجيد .
و لا شك أن الفتيا بإسلام المرء بعد كفره تقبل بالقرائن الدالة على ذلك ، و كلما تواترت القرائن كانت أقوى في الدلالة على الأمر ، و قد تواترت عن صدام مؤشرات التوبة من الكفر البواح الذي كان متلبساً ( و حزبه ) به لعشرات العقود .
و إنني اليوم إذ لا تنتابني غضاضة ، و لا أرى بأساً في الحكم بما بلغني من توبة الرجل من الكفر ، لا أزعم فيه عدالة و لا أهلية لسياسة و لا سيادة ، فهو و شعبه في شأنٍ عظيم من الجرائم و الطغيان و الظلم ، و لا بد لديوان المظالم أن يفتح في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معاً فيحكم فيه بشرعة لا تعرف الإجحاف ، في محكمة لا يظلم فيها أحد .
و إني إذ أستبعد ، و أكاد أجزم باستبعاد أن يجد الرجل من يحاكمه بشريعة الإسلام ، أو مَن ينصفه من غير أهل الإسلام ، لعلى يقين بأن يد العدالة الربانية لا يفلت منها أحد في العاجل أو الآجل ، فالكل صائر إلى مصيره ، واقف بين يدي ربه القائل : ( لا ظلم اليوم ) .
و إن لم تُنصِف الرجلَ محكمةٌ ، فلا أقل من أن تنصفه كلمةُ حق .
فقد قال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَ الأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) [ النساء : 135 ] .
و في الصحيحين عن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( ألا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ) ثَلاثًا . قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : ( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ) ، وَ جَلَسَ وَ كَانَ مُتَّكِئًا ، فَقَالَ : ( ألا وَ قَوْلُ الزُّورِ ) قَالَ أبو بكرةَ : فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ .
فمن أمكنه الإفلات من قول الزور في الإعلام ، و العمل به عند الساسةِ و الحكَّام ، شهد بحقٍ أنَّ للرجل توبته إن صدق فيها – و نرجو أن يكون صادقاً – و لم يتألَّ على الله أن يقبلها إن صدرت منه بشَرْطِها ، و له على ذلك ما رواه الإمام مسلم في الصحيح بإسناده عَنْ جُنْدَب البَجَليّ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ حَدَّثَ : ( أَنَّ رَجُلاً قَالَ : وَ اللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لِفُلاَنٍ ، وَ إِنَّ اللهَ تَعَالَىَ قَالَ : مَنْ ذَا الْذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ ، فَإِنَّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ) .
و إن أبى قصار النظر شرعاً و عقلاً إلا أن يدينوا مخالفيهم بتهمة الدفاع عن صدام ، فليس لنا في رد الهوى سبيل ، سوى أن نؤكد على أن الحكم بتوبة المرء من الكفر لا يلزم منه تبرئته مما جنته يداه في حقوق العباد ، إذ لم تثبت توبته من ذلك ، لتخلف شرطها الرابع ؛ و هو رد المظالم إلى أهلها ، و استحلالهم قبل أن لا يكون درهم و لا دينار ، إلا الجنة أو النار ، و لم نعرف عن صدَّام شيئاً من هذا القبيل ، من طريق يمكن التثبت منه ، و يصلح للحكم بلازمه .
و حذار ! حذار ! من أن يتخذ هذا تبرئة لساحة الحاكم الظالم من إسرافٍ في جنب الله ، فنحن لا نمجد طاغوتاً ، و لا نثني على ظالم ، و لا نبايع أنصاف الرجال و أرباعهم أوصياء على خير أمة أخرجت للناس ، و لا نضرب بسيف تُضرَبُ به أعناق المسلمين ، مع كائنٍ من كان .
أما فيما يتعلق بما يجري في العراق من جهاد و إعداد و استعداد لدفع العدو الصائل على الأرض و الأهل و الحُرُمات ، فلم نسمع من عاقل ، و لم يبلُغنا عن ثقة أن صدام يقف وراءه ( فضلاً عن أن يقوده بنفسه ) أو يكون له فيه رأي سديد ، أو إمداد أو إعداد ، و هذا أمر توافق عليه العدو و الصديق ، و أجمع عليه كل من يتابع الأحداث في العراق و يتفحص ضربات المجاهدين التي تقصم ظهور المحتلين ، و تخلخل صفوف العملاء و المنافقين .
و إذا سُلِّمَ جدلاً أن لصدام يدٌ فيما يقوم به المجاهدون من قبيل الدعم المادي ، أو التخلية بينهم و بين عدوِّهم مع قدرته على منعهم ( على فَرَضِهَا ) فهذا أمرٌ يشرِّفه و لا يشرف الجهاد و لا أهله ، و ينبغي للعقلاء أن يكفوا عن نسبة المجاهدين للشرق تارة و للغرب تارة لمجرد التقائهم مع هؤلاء في التصدي لعدوٍّ مشترَك .
و مع ما نذهب إليه مما تقدم بيانه ، فقد وقفنا على كثير من الآراء المخالفة ، و التي تناقض ما قلناه بالكامل ، و تسعى لنقضه من أساسه ، و لا يمنعنا ذلك من استيعاب المخالف ، و قبول رأيه ما دام عن حجة و دليل ، لا يتخلله هوىً و لا تضليل ، فإن العاقل من وسع غيره ، و الموفق من كان سماعه أكثر من مقاله .
غير أن ما يسوؤنا و يسوء كل حرٍّ ، كريم النفس ، عزيز الطبع أن تنساق العامَّة وراء من يبرر باطلاً بباطل ، و منكراً بمنكر ، كما فعل أذناب الغرب بتسليم بلادهم للغزاة انتقاماً من الجناة ، و قبولهم للاحتلال حنقاً و غيظاً مما اقترفته أيدي الحكام من أعمال قتل و تنكيل و اعتقال ، و كأن بطش العدو البعيد بلسم ، و مثله من القريب علقَم .
و هذه موازنة يردها العقل و الفطرة و الشرع على سواء ، فما فتئ البشر ( كما في كوبا ، و صربيا ، و غيرهما ) يصبرون على ضيم القريب ، خوفاً من تسلط عدوٍّ غريب ، حتى شهدنا ما شهدناه في العراق من انقلاب الموازين ، حيث أصبح للباطل دولة ، و للخائن سلطان .
و أصبح يُنظر إلى صدام الطاغية على أنه ممثل أهل السنَّة ( و ربما بقيتهم ) في العراق ، و حُمِّلوا ( زوراً و بهتاناً ) جريرة جرائمه التي اقترفها حيناً من الدهر لم يكن له فيه دين و لا ذمَّةٌ و لا خلاق .
و يبدوا أن هذه الدعوة ستتخذ ذريعة للقضاء على أهل السنة في العراق على أيدي خونة الكرد ، و منافقي الروافض الذين لم يعرف له عبر التاريخ موقف مشرف يتصدون فيه لمعتدٍ ، أو يدفعون فيه عدوَّاً ، و لذلك لم يفاجأ أحدٌ بوقفتهم الصلبة خلف ( و لا أقول إلى جانب ) غزاة الصليبيين المعاصرين ، و تسليمهم ديارهم و أموالهم و سلاحهم بلا مقابل سوى استئصال شأفة البقية الباقية من القلة المستضعفة ( على يد صدام و من قبله و من بعده ) من أهل السنَّة و الجماعة .
هذه رؤيتي للحدث ، و أنا أرى المحتلين و أذنابهم و حرَّاسهم لا يدعون نهجاً و لا وسيلة يذلون بها العرب و المسلمين إلا بالغوا فيها ، معتزين بباطل لو سمح لأهل الحق بمجابهته وجهاً لوجه لما صمد ساعةً من نهار .
و من مظاهر الإذلال الممعن للعرب و المسلمين على سواء ما واكب اعتقال الطاغية صدام من تصريحات و تقارير مصورة و غير مصورة ، ابتداءً بتصوير جحره ( مع أن الاختفاء فيه أشرف و أكرم بكثير من الارتماء في أحضان الأعداء ) و انتهاءً بتصريحهم بما يريدون به ، و مروراً بعرض صوره و هو يعرض على الطبيب كبقرة هولندية في إصطبل هارٍ .
و أعجب منهم أهل الشماتة و التشفي ، المستجيرون من الرمضاء بالنار ، إذ أنساهم ماضيهم المظلم ظلمات الحاضر و المستقبل تحت سلطة المحتل و سياطه .
و مع ما قد يبرر فرح القوم و ابتهاجهم بسقوط طاغية ظالم ، نقف عاجزين عن تبرير الارتماء القوم في أحضان الأعداء الذين كان لهم – من قبل – دور أساسيٌّ في إيصال صدام إلى السلطة ، و حمايته ، و تبرير جرائمه و مواقفه و كثيرٍ من حروبه ، و – ربَّما – التورُّط في استدراجه إلى بعضها ، قبل أن ينقلب السحر على الساحر ، و يسقيهم من الكأس التي أرادوها له .
و لهذه الأسباب و أسبابٍ أخَر – يسَّر الله بيانها أو تعدادها لاحقاً – ينبغي لنا أن نكف ألسنتنا عن التشفي و الشماتة بسقوط الظالم على النحو الذي بلغنا أو غيرِه ، و نسأل الله أن يختم لنا و له بالحسنى ، و أن يردنا إليه تائبين نادمين ، بما اقترفت أيدينا مقرين ، و على سوء أفعالنا نادمين ، قبل أن لا ينفع درهمٌ و لا دينار إلا من أتى الله بقلب سليم .
و إن كان ما رأيناه مصيرَ من عُرِف بتجبره و ظلمه ، فإننا نستعيذ بالله تعالى من أن يأتي علينا زمان نرى فيه أياً من رموز الأمة الصادقين ، و من كان من أبنائها من المجاهدين العاملين ، فريسة في أيدي أعداء الدين ، و نسأله أن يختم لأوليائه بإحدى الحسنيين ، و أن لا يشمت فيهم أحداً من العالمين ، إنه على ذلك قدير ، و بالإجابة جدير ، فنعم المولى و نعم النصير .
و يحسن بنا في مثل هذا المقام تمثل مقولة الفضيل بن عياض رحمه الله :
( ارحموا عزيز قومٍ ذلَّ ، و غنياً افتقر ، و عالماً بين جُهَّالٍ )
و الله المستعان ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العليِّ العظيم .

وكتب
د . أحمد بن عبد الكريم نجيب
Dr.Ahmad Najeeb
alhaisam@msn.com

الصفحة الرئيسية      |      صفحة الشيخ