بسم الله الرحمن الرحيم

مجرد خواطر


المحبة في خريف العمر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-

لاشك أن طول العشرة الزوجية .. يقرب بين الزوجين إلى حد كبير ، حتى أنهما حينما يكبران معاً ويصيران في خريف العمر – كما يعبرون عن هذه الفترة .. وإلا فالحياة الزوجية السعيدة لا خريف فيها ، بل هي ربيع كلها – نجد أن علاقتهما أو تقاربهما يصل إلى حد التوحد والانسجان والتشابه !!

التفكير نفسه .. السلوك نفسه .. الشعور نفسه تجاه الأخر .. الذكريات نفسها .. ما يضحك وما يبكي هو نفسه .. حتى أنه في حالات كثيرة وحين يموت أحدهما فإن الآخر يلحق به .. لا يستطيع أن يقوى على مواجهة الحياة وحيداً دون رفيق عمره .. وتوأم روحه الذي شاركه الحياة .. حلوها ومرها لعشرات السنين !!

فهما في هذه المرحلة من العمر ، يحرصان على راحة الآخر إلى أبعد درجة ممكنة ، يراعيان مشاعر بعضهما البعض إلى أقصى الحدود .. هي صديقته الوحيدة .. وهو صديقها الوحيد .. وحين تنطق الزوجة بالكلمة تجد الزوج ينطق بها في نفس اللحظة .. يتصرفان بالطريقة نفسها .. يفكران بالأسلوب نفسه .. فهما متعلقان ببعضهما البعض إلى أقصى الحدود وبالأخص في السنوات الأخيرة من عمرهما ..

يشير الطب النفسي إلى أن طول الصحبة والعشرة يقرب بين الزوجين إلى حد كبير .. إلى حد التوأمة .. فكل من الزوجين يتعرف على عادات وحركات وسكنات نصفه الآخر الذي يعيش معه طيلة هذه المدة .. يتأثر بأفكاره ويؤثر فيها ..

فهذا الارتباط .. وهذه المشاعر .. وهذا التفاهم .. وهذه المودة .. وهذا التوحد .. وهذه التوأمة .. عادة ما تؤتي ثمارها أكثر ما يكون في خريف العمر ؛ حيث تتعمق العاطفة .. ويصبح الاتفاق كاملاً ، فالزوجان يشعر كل منهما أنه ليس له في هذه الدنيا إلا الآخر .. يتكئ عليه إذا خذلته الشيخوخة .. وعادة يحدث ذلك إذا كان الزوجان متقاربين في العمر .. هنا يصبحان توأمين بالفعل ، تربط بينهما أفكار وأحاسيس واحدة .. يعانيان من مشاكل واحدة .. ولذا – وكما ذكرت قبل قليل – فإننا نجد ظاهرة موت الزوجين في فترة زمنية واحدة ، لأن الواحد حين يخسر الآخر ، يفقد حبه للحياة والرغبة في الاستمرار فيها دون نصفه الآخر ..

وأنا أعلم أن الحديث ذو شجون .. لكنها خطرات .. ومشاعر .. أحببت أن تشاركوني فهيا .. فكلما نظرت في وجه أمي الحبيبة - حفظها لله وأطال في عمرها على طاعته – رأيت ما ذكرته لكم بادياً في عينيها على الرغم من وجودنا جميعاً حولها .. لكنه فراق النصف الآخر .. رفيق العمر .. الزوج الحبيب .. والدي رحمه الله .. بالرغم من أنه قد مضى على وفاته أكثر من ست سنوات ..


حالات من البشر !!!

وقفت برهة أتأمل في أحوال البشر ..

معاملاتهم .. أحساسيسهم .. مشاعرهم .. عواطفهم .. وحتى صداقاتهم .. فوجدت بحراً متلاطم الأمواج .. فيه الخير والشر .. فيه الشريف والوضيع .. فيه القبح والجمال .. فيه الصدق والكذب ..

ووسط هذه الأمواج .. أبصرت صديقي ، وياله من صديق .. مسكين :-

أحزن له .. يقبل بالحب والإخلاص على كل من يعرفه ، معتقداً أنه وجد الخل الوفي ، وأنه سيعامله بالمثل .. ثم يكتشف صديقي أن المحبة لم تكن خالصة .. وأن الود لا يقابل بالود ..

يعود صديقي ليبحث من جديد عن الوفاء .. هل منكم من يدل صديقي على صديق ؟!!

لأنه داخله عامر بالشفافية .. يعامل ا لآخرين وكأنهم مخلوقات من زجاج .. يحسب لكل كلمة يقولها ألف حساب .. يعتذر من أشياء قد لا تلفت الانتباه ..

من منا في هذا الزمان تقتله حساسيته مثل صديقي ؟!!

يزعم صديقي أن الألم رغم قسوته ، تجربة تصهر الإنسان وتقويه !! لذلك يعيش صديقي به .. يبث للآخرين لواعج فكره ونفسه .. ينقل إليهم تفاصيل معاناته .. مسكين صديقي .. كلما رأيته وجدت عنده سبباً للألم ..

أحزن لصديقي .. يتعب نفسه ويتعب الآخرين معه .. فهل منكم من يطيق مثل ما يطيق صديقي ؟!!

أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..