بسم الله الرحمن الرحيم

ردا على العتيبي ( لا كفر إلا باعتقاد )


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فإني كنت مترددا كثيرا في التعقيب على كلام العتيبي والذي علق به على بعض كلام الشيخ علوي سقاف حفظه الله وتمنيت أن يكفيني أحد الإخوان هذه المهمة ولكن لم يحقق أملي أحد حتى الآن فأستعين بالله وأتناسى ما مضى بيني وبين صاحب المقال وأسأل الله التوفيق والسداد وأقول :
فإن في هذا التعليق مؤاخذات كثيرة أعلق عليها باختصار وأترك بعضها لضيق الوقت :
أولا :
ذكر العتيبي : أن من قال :( الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد) لا يحكم على قوله بإرجاء ولا موافقة لمرجئة فقد قالها شيخ الإسلام ابن تيميه ونص عليها الشيخ حافظ الحكمي –رحمه الله- والواجب أن يستفصل من قائلها ......
أقول:
حصر الكفر في الاعتقاد من مذهب المرجئة الرديء ‘ لا شك في ذلك وليس في كلام شيخ الإسلام ولا الشيخ الحكمي رحمهما الله السابق انه لا كفر إلا باعتقاد !!
ومن قبل دافع العتيبي نفسه عمن يقول لا كفر إلا بالجحود وذكر أن لفظ الجحود يراد به جحود القلب واللسان والجوارح وان المحظور هو أن يقصر الجحود على القلب واليوم جاء دور عبارة أخرى من عبارات المرجئة ليدافع عنها وهي " لا كفر إلا بالاعتقاد "!!!
وهذه بدعة جديدة لم يسبق إليها العتيبي بناها على مجرد فهمه ونظره ولا يستطيع هو ولا غيره أن يأتي بقول أحد من أهل العلم يذهب إلى هذه الدعوى العريضة ‘ وإلا فأهل العلم من المعاصرين وعلى رأسهم الشيخ ابن باز رحمه
الله قد قرر في تعليقه على متن الطحاوية أن هذا القول بدعة وانه قول المرجئة وكذا علماء اللجنة الدائمة حفظها الله سوءا في ردها على مراد شكري في كتابه إحكام التقرير والذي حصر الكفر في الجحود و أو الحلبي الذي حصر الكفر في التكذيب والجحود والاستحلال ولم تقل نستفصل منه عن مراده كما زعم العتيبي .
وهذا فتح باب جديد لأهل البدع أن يقولوا ما يشاءوا في دين الله ولن يألوا جهدا بعد ذلك أن يأتوا بما تشابه من كلام أهل العلم ليدللوا به على جواز بدعتهم كما فعل الحلبي في غير ما كتاب !
ولعل غدا يأتي من يقول أن من يقول الإيمان هو مجرد " التصديق" لا يتهم كذلك والواجب أن يستفصل من قائلها لأن" التصديق" يكون بالقلب واللسان والجوارح وقد ذكر بعض أهل العلم أن الإيمان هو التصديق ....
وكذا من يقول لا كفر إلا بالتكذيب لا يجوز أن يتهم بالإرجاء لأن الواجب الإستفصال عن قوله لكون التكذيب يكون بالقلب واللسان والجوارح ....الخ وعلى هذا لن يكون هناك سبيل على أهل البدع خاصة المعاصرين والذين أتقنوا فن التحريف والتلاعب بالألفاظ .
وكل هذا لأجل عيون شيخه ( الحلبي ) الذي انبرى للدفاع عنه بالباطل والذين أفتى أهل العلم بأنه يقرر مذهب المرجئة الباطل لحصره الكفر بالتكذيب والجحود والاستحلال القلبي ! .
وإذا جئنا لكلام ابن تيميه رحمه الله لم نجد في كلامه ما فهمه العتيبي البتة وأنه " لا كفر إلا باعتقاد"
غاية ما في النقل الذي أورده العتيبي أن الظاهر دليل على الباطن ولازم له ولا يكفر في الظاهر إلا لزوال عمل قلبه أو قوله أو فسادهما ‘‘‘ فهو يقرر علاقة الظاهر بالباطن وأن الأصل هو ما في القلب , والظاهر فرع لازم له .
وقول شيخ الإسلام " لأن الكفر اعتقاد " لا يعني بحال أن الكفر لا يكون إلا به كما يريد أن يدلل على هذا العتيبي بل قوله
رحمه الله : " لآن الكفر اعتقاد" ... يعني من جهة الأصل وهو كقوله السابق أن " الإيمان والنفاق أصله في القلب " وهذا لا يمنع أن يكون بالقول والعمل والاعتقاد كما أن أصل الإيمان هو الإيمان الذي في القلب وهذا لا يمنع أن يكون الإيمان قول وعمل واعتقاد و ما أشكل على العتيبي وغيره ظنه أن كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن الكفر اعتقاد يعني انه لا يكون بغيره أو أن الاعتقاد شرط فيه وهذا خلل في الفهم ! فهو رحمه الله ليس في معرض بيان ما يكون الكفر به ‘
وقول شيخ الإسلام رحمه الله" الكفر اعتقاد و الاعتقاد يبقى في القلب ، و إنما يظهر أنه اعتقاد بما يظهر من قول و نحوه" ليس معناه أن لا يكون الكفر إلا به بل غاية ما فيه أن أصله في القلب وموجبه في الظاهر قولا
وعملا كما نقل عنه العتيبي قوله" الإيمان والنفاق أصله في القلب، و إنما الذي يظهر من القول و الفعل فرع له و دليل عليه " ولعل هذا يظهر من كلام شيخ الإسلام رحمه الله نفسه حيث يقول :
وقال رحمه الله في قوله تعالى {لا تعتذروا قد كفرتم...}: ( فبين أنهم كفار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته...)
وقال أيضا في نفس الآية: مجموع الفتاوى ج: 7 ص: 220
" فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له بل كنا نخوض ونلعب وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام "
فليس في كلام شيخ الإسلام رحمه الله ما يدل على معنى الحصر ( لا كفر إلا باعتقاد ) ومثل ذلك قول بعض السلف الإيمان عمل ليس معناه حصر الإيمان بالعمل ولكن معناه العمل من الإيمان .
أما قول الشيخ حافظ حكمي رحمه الله فمن قبل كان العتيبي يحتج به على أن الكفر لا يكون إلا بالجحود انتصارا لشيخه الحلبي واليوم يحتج به على أن الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد !
وأقول للعتيبي ما قلته له سابقا عن الجحود أين في كلام الحكمي رحمه الله ما يدل على حصر الكفر في الاعتقاد؟
وقد بينت من قبل في حواري معه أن لفظ الاعتقاد يطلق ويراد به أمران :
الأول: تصديق القلب الجازم وهذا من جنس العلم والقول . والثاني: ما يعقد عليه القلب من قول وعمل ‘ تصديقا وانقيادا .
وكلام الحكمي رحمه الله يقرر فيه أن هذه الأعمال وما شاكلها كفر مخرج من الملة لكونها مستلزمة زوال عمل القلب أو قوله وتأمل قوله رحمه الله : " ...ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب من نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده لا يبقى معها شيء من ذلك ، فهي وإن كانت عملية في الظاهر فإنها مستلزمة للكفر الاعتقادي ولا بد"
فهو لم ينف كون هذه الأعمال كفر بل فسر لما كانت كفرا رغم أنها عمليه وأوضح في آخر كلامه السابق أنه يقصد بالكفر العملي الأصغر أي العمل المجرد ( المحض ) الذي لا يناقض قول القلب أو وعمله ! فأين الحصر ؟
فليس في كلام الشيخين رحمهما الله ما ذهب إليه العتيبي والذي بنى على أساسه أن من حصر الكفر بالاعتقاد لا ينبغي أن يوصف بالبدعة ليمهد مخرجا لمشائخه الذين اشتهر عنهم هذا القول ورموا بالبدعة لأجله من أهل العلم .
ثانيا :
قال العتيبي تعليقا على قول الشيخ علوي حفظه الله: / ثم ذكر السقاف:
[8- ترك جميع أعمال الجوارح ( جنس الأعمال كما يسميه ابن تيميه ) ليس كفرا مخرجا من الملة . ( ووجه كونه إرجاء لأنه يلزم منه أن أعمال الجوارح ليست ركنا في الإيمان بل ولا عمل القلب كذلك وهذا باطل لارتباط الظاهر بالباطن فيمتنع وجود عمل القلب مع انتفاء عمل الجوارح ). ]
قال العتيبي معلقا : هذا باطل وتكلم في دين الله بلا حجة ولا برهان!!
أقول:
بل هو الحق والأدلة على ذلك كثيرة وهي نفس الأدلة التي تدل على بطلان قول من اخرج العمل من الإيمان فمن كان قوله يلزم منه إخراج العمل من الإيمان فالأدلة على بطلان قوله هي نفس أدلة بطلان قول من أخرجه .
ومثل هذا قول شيخ الإسلام رحمه الله : 7/192
" و المرجئة الذين قالوا الإيمان تصديق القلب وقول اللسان والأعمال ليست منه كان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها ولم يكن قولهم مثل قول جهم فعرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمنا أن لم يتكلم بالإيمان مع قدرته عليه وعرفوا أن إبليس وفرعون وغيرهما كفار مع تصديق قلوبهم لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب فى الإيمان لزمهم قول جهم وان أدخلوها فى الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضا فإنها لازمة لها"
فتأمل قوله رحمه الله : " ولم يكن قولهم مثل قول جهم.." فقول مرجئة الفقهاء مخالف لقول الجهم قطعا سواء في الإيمان أو الكفر( كما أن قول مرجئة زماننا مخالف لقول مرجئة من سبقهم شكلا ولفظا ) ومع ذلك ألزمهم بقول جهم حيث قال : " إذا لم يدخلوا أعمال القلوب فى الإيمان لزمهم قول جهم "
وقال رحمه الله : " و أيضا فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضا وهذا باطل قطعا فإن من صدق الرسول وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر قطعا بالضرورة وان أدخلوا أعمال القلوب في الإيمان أخطئوا أيضا لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن..." 7/556
فانظر كيف يلزمهم رحمه الله بأنهم أخرجوا عمل القلب من الإيمان لكونهم أخرجوا أعمال الجوارح منه و لو طالبنا ابن تيميه رحمه الله بالدليل على ذلك لما خرج عن دليل التلازم الذي ذكره رحمه الله والذي يقر به المخالفون ولو فهم هذا كثير من المرجفين لحلت لهم إشكالات كثيرة فهم لا يفتأون أن يكرروا قول بعض أهل العلم أن من قال كذا وكذا فقد برئ من الإرجاء .
فإن قول القائل بإسلام تارك جنس العمل يعني بهذا أن الإيمان يجزئ فيه الاعتقاد والقول فقط وهذا خلاف الإجماع الذي جاء عن أهل السنة " أن الإيمان قول وعمل واعتقاد لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر"
وهو يتفق ويؤول إلى قول من أخرج العمل من الإيمان وإن لم يماثله وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة حفظها الله في كتابي الزهراني وعدنان عبد القادر
وذكرت أنهما اخرجا العمل عن حقيقة الإيمان رغم تكرارهما كثيرا أن الإيمان قول وعمل!
وأن العمل ركن في الإيمان أو شرط فيه ولكن المسألة مسألة لوازم كما نقلت عن شيخ الإسلام رحمه الله مع مرجئة الفقهاء.
أما قول العتيبي : [[ بل القول بعدم تكفير تارك عمل الجوارح من أقوال أهل السنة الواردة عنهم ومما وقع الخلاف فيها بينهم . ]]
أقول: لم يختلف أهل السنة والجماعة في هذه المسألة خاصة ولا في غيرها من مسائل الإيمان ولم يحك أحد من اهل العلم هذا الخلاف ,ولا ينبغي ان يقحم خلافهم في التكفير ببعض الأعمال هنا حيث انه ليس مما يدخل في محل النزاع وإنما يذكر هذا من عنده خلط وعدم تحرير لمحل النزاع ، واختصارا أقول إن عمل الجوارح لها مأخذان من جهة النظر:
الأول:
من جهة ارتباطها بالإيمان وكونها ركن فيه وجزء منه ومن هنا قالوا الإيمان قول وعمل واعتقاد ولا يجزئ أحدهما دون الآخر
الثاني: من جهة حكم كل عمل على حدة فعلا وتركا وهنا يقال التكفير لا يكون بترك واجب أو فعل محظور وان هذا مذهب الخوارج .
والذي يستنكر كوننا نقول بإسلام من يأتي بجنس العمل ولو لم يكن من أركان الإسلام الأربعة أقول هذا لم يتصور محل النزاع ولم يفطن للمأخذ الذي كان الكلام عليه ‘‘‘ فنحن وإن قلنا بإسلامه فلم نقل بعصمته من النواقض الأخرى مثل ترك الصلاة أو المباني الأربعة على مذهب من يرى كفر تاركها كسلا والشرك بالله وغير ذلك من النواقض فهذه نوا قض وترك جنس العمل ناقض كذلك ولكنه مختلف من حيث المأخذ والأدلة .
ونقول هذا الذي أتى بجنس العمل الظاهر قد حقق في الظاهر ما يدل على وجود اصل إيمانه وذلك لما تقرر عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل وأن الظاهر لازم للباطن دليل عليه وجودا وعدما ثبوتا وانتفاءا كما قرر شيخ الإسلام رحمه الله وغيره وأن مطلق عمل القلب يستلزم بالضرورة جنس عمل الجوارح ..
ثم كيف نصدق بهذا الخلاف وعلماء السنة مثل الإمام الآجري رحمه الله ينقل لنا الإجماع ويثبت أن هذا هو مذهب السلف من المتقدمين والمتأخرين فعلى كلام من نعول وبكلام من نأخذ !!! ؟
وليتأمل قوله رحمه الله في كتابه الأربعين حديثا ، المطبوع مع الشريعة ص 422 :
" .......ثم إنه لا تجزيء معرفة بالقلب ونطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح ......((.هذا مذهب علماء المسلمين قديما وحديثا)) ، فمن قال غير هذا فهو مرجئ خبيـــــــــــــث ، فاحذره على دينك "
ولن أخوض في تفاصيل المسالة فهذا قد حرره أخونا الموحد حفظه الله بما فيه الكفاية
-------------
قال العتيبي: [[ فأقوال أهل السنة السلفيين في هذه المسألة ثلاثة أقوال: القول الأول: تكفير تارك العمل والمراد بالعمل الصلاة .]]
أقول : ليس هناك أحد من أهل العلم قد قرر أن جنس العمل الذي يكفر تاركه هو (( الصلاة )) ولكنه الخلط في فهم كلام بعض أهل العلم من المعاصرين خاصة عند كلامهم عن أفراد الأعمال لا عن جنسها وغاية ما يفهم من بعضهم أنهم لم يتعرضوا للمسالة بذكر ولا ببيان فضلا أن يجعل قولهم مذهبا في المسالة .
وكيف يصح هذا مع تشنيع السلف على المخالف ايما تشنيع كما ذكر الآجري رحمه الله مع علمهم بالخلاف الحاصل والمشهور بين السلف والخلف في التكفير ببعض الأعمال .وعليه ينبغي أ ن لا يجعل هذا قولا في المسالة أصلا حيث انه بعيد عن محل النزاع ومبني على مجرد الفهم
-----------
قال العتيبي ( ...لذا الذي يظهر لي -والله أعلم- أنه إذا ترك الأركان الأربعة وداوم على ذلك فإنه كافر ولو أماط من الأذى ما أماط ولو عمل من البر ما عمل )
هذا الكلام قد يكون في نفسه صحيح ولكنه يدل على عدم تحريره للمسالة وأن العتيبي إلى ساعته يخلط بين جنس العمل وأفراده .
والصحيح في هذه المسالة - والله أعلم - هو ما ذكره أهل العلم في كالحميدي والإمام أحمد والإمام الأجري في الشريعة وشيخ الإسلام ابن تيمه رحمه الله وغيرهم وأنها على قول واحد وأن الإجماع يحكم أقوال الجميع وما ينقل عن بعض أهل العلم يجب أن يوجه حتى يتفق مع قواعد أهل السنة وإذا كانت النفوس تقبل أن توجه نصوص الشريعة كي تتوافق مع غيرها من النصوص فكيف بكلام بعض أهل العلم هذا إن ثبت التعارض أصلا وأنهم يتكلمون في محل النزاع أو يحكم عليه بالخطأ إن تعذر توجيهها وأنهم محجوجون بإجماع من سبقهم وليس هذا طعنا فيهم وحاشاهم إلا على مذهب  ( الشمامين ) من الأدعياء والله أعلم
----------
ثالثا : قول العتيبي تعليقاً على قول الشيخ علوي حفظه الله : [[ وذكر السقاف : [10- الأقوال والأعمال الكفرية ليست كفرا ولكنها تدل على الكفر . ]. الملاحظة: بل هذا التعبير عبر به أعلام من أعلام السنة كما سبق بيانه . فهذه المقولة يجب الاستفصال من قائلها . ]]
أقول: هل في كلام شيخ الإسلام رحمه الله أو الحكمي السابق ما يدل على أن الأقوال والأعمال المكفرة ليست كفرا ولكنها دليل على الكفر؟؟ وهل ينسب لهذين الشيخين هذا الهراء عاقل !؟؟
أيتهم شيوخ الإسلام وأعلامه من أجل أن يمهد الطريق للدفاع عن حفنة من أعلام المرجئة!!! سبحانك هذا بهتان عظيم
فمعلوم أن من يقرر أن القول المكفر والعمل المكفر ليسا كفرا هم الذين اخرجوا العمل الظاهر من الإيمان
وهم عموم المرجئة والأشاعرة وغيرهم من اهل البدع ولذا قالوا العمل في ذاته ليس كفرا ولكنه دليل على الكفر في الباطن وقد ذكر هذا وركز عليه الشيخ علوي حفظه الله في كتابه التوسط والاقتصاد حيث قال نقلا
عن ا لشهرستاني :
- (( وإلى هذا المذهب ميل ابن الرواندىِّ وبشر المريسيِّ قالا : ( الإيمان هو التَّصديق بالقلب واللسان
جميعاً والكفر هو الجحود والإنكار ، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه ولكنه علامة الكفر ) 0 انظر : "الملل والنحل" (1/144) دار المعرفة . ط1404 هـ
وقال :
- و ((... من المرجئة أصحاب أبي معاذ التومني …وكان أبو معاذ يقول : من قتل نبياً أو لطمه كفر وليس من أجل اللّطمة كفر ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له ) .انظر : "مجموع الفتاوى" (7/547) ا .هـ
وهؤلاء يخالفون أهل السنة في أمرين في هذا الصدد الأول :
كون ذات العمل أو القول هو كفر بذاته وهم يقولون ليس كفرا في ذاته لأن الأعمال ليست من الإيمان ولكنه دليل على الكفر .
الثاني :
كونهم يجعلونه دليلا على الجحد أو التكذيب وهذا الكفر الذي يقصدونه في قولهم ( دليل على الكفر ) وأهل
السنة يجعلونه دليلا على زوال عمل القلب أو قوله, وهذه الدلالة دلالة لزوم لا دلالة ثمرة ونتيجة كما قرر شيخ الإسلام رحمه الله .
فكيف يقال أن هذا القول قال به أحد من علماء السنة فضلا أن يكون من أعلامها .

خامسا:
قال العتيبي [[ وذكر السقاف : [11- المكفرات القولية والعملية المخرجة من الملة هي ما كان مضادا
للإيمان من كل وجه أو ما كانت دليلا على الكفر , وجعل مناط التكفير كونها مضادة للإيمان من كل وجه أو
كونها تدل على ذلك . ( والصواب أن يقال :المكفرات القولية والعملية المخرجة من الملة هي ما دل الدليل على كونها كذلك ,وهي مضادة للإيمان من كل وجه وتدل على كفر الباطن ,ولابد) فتأمل الفرق . ].
الملاحظة: الصواب أنه لا فرق وقد نطق بذلك ابن القيم فالعجب أن يأتي مثل هذا السقاف ويجعل كلام ابن القيم الذي أيده عليه العلماء من كلام المرجئة !! ]]
أقول :
لعلي أوافقك على شطر المسالة وهي كون من يقول بهذا من المرجئة أو وافقهم لأنه لازم بعيد ومتداخل ‘‘ وأخالفك في الشطر الثاني من جهتين : الأولى:
صحة قول الشيخ حفظه الله " ( والصواب أن يقال :المكفرات القولية والعملية المخرجة من الملة هي ما دل الدليل على كونها كذلك ,وهي مضادة للإيمان من كل وجه وتدل على كفر الباطن ,ولابد )"
فهذا لا يتنافى مع قول ابن القيم رحمه الله وما زاده الشيخ حفظه الله هنا أمر لا ينبغي الخلاف فيه أو الاختلاف حوله فهو ضروري كون ما يضاد الإيمان من كل وجه هو ما دل الدليل على كفر فاعله ! ولا يلزم الشيخ أن يوصف ابن القيم رحمه الله بالإرجاء وحاشاه لأنه لا تعارض أصلا بين قول الشيخ رحمه الله وقوله
لكن كون العبارة الأولى من كلام المرجئة لم يظهر لي وجهه والله أعلم .
والثانية :
أخالفك في سوء الأدب مع الشيخ حفظه الله فالرجل معروف بالفضل والعلم فلا ينبغي لك أن تطاول على أهل العلم والفضل فتكسب عدوات لا داعي لها والرجل اعرفه واسع الصدر لكل ما ذكرت من ملاحظات وغيرها ، لكن بأدب وحلم وليس شيء اثقل في الميزان من تقوى الله وحسن الخلق.
سادسا :
قال العتيبي [[ / ثم ذكر السقاف: [12- جعلهم الشهوة وعدم القصد من موانع التكفير . ( ووجه كونه إرجاء أن مآله إلى حصر الكفر في الاعتقاد أما إن عّني بالقصد : العمد المقابل للخطأ فنعم , فالخطأ من موانع التكفير ,لكن ليعلم أنه يكفى أن يقصد (يتعمد) عمل الكفر ولا يلزم منه أن يقصد الوقوع في الكفر ) ].
الملاحظة:
من جعل الشهوة من موانع التكفير يا سقاف ؟!
حتى المرجئة الغلاة هل جعلوا الشهوة من موانع التكفير ؟
وبكل وضوح وبساطة – كما يقال- : هل الجهمية تقول: من جهل الله فلم يعرفه لشهوة لا يكفر ؟!! لقد ذكرت قولاً لا أعلم قائلاً به حتى من الجهمية الغلاة !!! أما قضية القصد فقد أجبت نفسك بنفسك فدعك من التدليس . ]]
أقول : إن هذا من التخرص والحكم بالجهل ولو وجهت سؤالا أو استفسارا للشيخ حفظه الله عمن يقول بهذا لكان خيرا لك من سوء الأدب هذا .
ولطالما سمعنا من الأدعياء هذا الكلام ولقد قررت أنت بنفسك كلام الأخ العبد الكريم أن الشهوة ليست من موانع التكفير حيث قال ونقلت عنه :
" [ ...وأن مناط التكفير هو القول أو العمل أو الاعتقاد ولو كان الدافع لذلك شهوة من شهوات الدنيا ،] " ولم تعترض عليه بهذا بل وافقته !!! فلماذا تعترض هنا على الشيخ على أمر قررته أنت سابقا !؟؟؟
وتأمل قولك هذا أيضا الذي ادعوا الله أن يوفقك للتوبة منه والرجوع عنه :
[[ .. فالكفر مبني على الجحود بمعنى أن من ارتكب كفرا أكبر كالسجود للأضرحة والقبور فهذا كافر لأن السجود لغير الله لا يكون إلا عن جحد لاستحقاق الرب –تبارك وتعالى- وهذا الاستحقاق هو إفراده-عز وجل- بالسجود وعدم صرف ذلك لغيره . ولو كان سبب هذا السجود--( ( شهوة أو طلبا في دنيا ) ) --أو عن تقرب وتعبد فلا يختلف الحكم .
فالسجود في حد ذاته كفر أكبر لما تضمنه من جحود لاستحقاق الرب تبارك وتعالى . هذا هو رابط الجحود بالفعل. هـ ]]
فهذا هو تقريرك فهلا سألت نفسك عمن قال أن الشهوة مانع من موانع التكفير حتى تذكر هنا أن الحكم فيها لا يختلف !
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

كتبه : أبو عبدالرحمن الباشا